سلطان بن محمد القاسمي
يُمثل الأمن جوهر الحياة، والمعنى الحقيقي للعيش الرغيد، لكونه يعني أمن الإنسان، حياته، أسرته، وطنه، ممتلكاته، علاقاته، وضعه النفسي. من هنا يلتحق بهذا الجوهر الإعلام الأمني بصفته موجهًا ومساندًا لتعزيز الأمن الإنساني بمختلف مستوياته. من هنا لابد أن يكون الإعلام مرتبطًا ارتباطا قيميًا بالواقع الإنساني، خاصة فيما يتعلق بأمنه وسلامته واستقراره.
يرتكز الإعلام الأمني على تعزيز العلاقة بين المواطن والشخصية الأمنية سواء كان شرطي مرور أو شرطي نجدة، وهو في الحقيقة ليس مرتبطا بشخص بحد ذاته، وإنما بالقيم الأمنية التي يحملها الشرطي، والأطر الوقائية التي تخدم الإنسان وسلامته حياته؛ فهي علاقة تخدم أولًا المواطن نفسه، لأن الإعلام الأمني سيكون أيضًا مسؤولا عن التوعية الأمنية، وبيان أهمية التعاون المتبادل بين المواطن والجهة الأمنية للحفاظ على الوطن والإنسان.
ويهدف الإعلام الأمني فضلًا عن خلق صورة ذهنية إيجابية لدى المواطنين عن الأجهزة الأمنية ومهامها، إلى تنمية روح المشاركة والارتباط بين أجهزة الأمن وأبناء المجتمع على أساس أن تحقيق الأمن يمثل ضرورة أساسية لكل أبناء المجتمع وأن تحقيق الأمن والاستقرار يتطلب تكاتف جهود الكافة، والسعي إلى غرس المفاهيم الأمنية لدى المواطنين وتحصينهم وتشكيل بيئة حاضنة للأنشطة الأمنية وخلق رأي عام مساند لها.
ومن أهم ما يجب على القائمين على الإعلام الأمني هو بناء الثقة المتبادلة بين الجهة الإعلامية المتصدية للأمن الإنساني والجمهور من جهة، وبين القيم التي يدعو لها والجمهور أيضًا من جهة ثانية، وهذا يتم من خلال المصداقية التي يقرأها ويشعرها كل مواطن في المادة الإعلامية، والأسلوب الإقناعي المؤثر القائم على الحقائق والمعلومات الصحيحة. فضلًا عن التعريف بالمنجزات الأمنية واستقصاء المعلومة وتفنيد الشائعات. ويرتكز الإعلام الأمني على وضع استراتيجية توعوية تعزز من وعي المواطن بواجباته الأمنية، وأساليب المحافظة على أمنه وأمن منطقته، ومؤسسته، وأولاده، وتبصيره بالطرق والظواهر الجديدة التي يلجأ إليها المجرمون، وآليات التعامل معها واكتشافها، والتبليغ عنها.
لا بُد من القول، إن سر نجاح الإعلام الأمني يكمن في مخاطبة الشعور والوجدان؛ إذ لا يكفي أن تكون المعلومات مجردة؛ فالإنسان بطبعه يميل إلى ما يؤثر فيه ويلامس مشاعره وكوامنه، فلهذا لكي ينجح الإعلام الأمني في رسالته عليه أن يضمن استراتيجيته الكثير من معاني القيم والمشاعر برفقة المعلومات الأمنية لكي يعزز من تأثيره ويضمن استجابة الجمهور.
أضف إلى ذلك، ضرورة مواكبة الإعلام الأمني للتطورات التي تشهدها المجتمعات على المستوى الاقتصادي والاجتماعي والسياسي وانعكاسات تلك التطورات على المجتمع والأفراد، وعلاقتها بالمتغيرات الأخرى التي ترافق الفرد مثل تكنولوجيا الاتصال، والاندماج الثقافي، والانفتاح الفكري، وغير ذلك. وقد تنوعت اليوم أساليب التلاعب بالعمليات الاقتصادية، والاحتيال على الآخرين، وكذلك التظاهر الثقافي وإبطان ثقافة دخيلة، وهذا يعني أن الإعلام الأمني لا يكتفي بعرض مُنجزاته؛ بل يحرص على التوعية المبصرة بأساليب التلاعب على جميع المستويات، والعمل على حث المعنيين لإيجاد قنوات اتصال مباشرة وغير مباشرة بالمجتمع وفئاته المختلفة من أجل توفير أرضية مشتركة بين الأجهزة الأمنية والمواطنين.
وهذا الدور يتطلب من مؤسسات الإعلام الأمني إكمال دورة الاتصال بشكل تام، بمعنى دراسة ردود أفعال الجمهور، وقياس مستوى التأثير، ومعرفة المؤشرات المتحققة الدالة على اكتساب المعرفة والسلوك، وهذا ما يطلق عليه بالتغذية الراجعة.
أما عناصر الإعلام الأمني، فتتمثل في القائم بالاتصال وهي الجهات الأمنية أو من يمثلها، وهنا يجب على القائم بالاتصال أن يصيغ المادة الإعلامية صياغة محكمة، وأن يحرص على كسب ثقة المتلقي، ويتجنب الإسهاب الممل، والعرض غير الموضوعي، والكلام الخالي من الحقائق والأساسيات. والعنصر الآخر هو الرسالة، بمعنى موضوع وجوهر الحدث أو مادة الإعلام الأمني من ناحية المضمون والغاية. ويمثل الجمهور العنصر الآخر الذي يجب أن يكون محور الرسالة، ومضمونها، وهدف الإعلام بحد ذاته. وفي ضوء نوع الجمهور يتم اختيار القناة الاتصالية المناسبة، والملائمة للرسالة الاتصالية وبما يحقق الهدف المراد، وعليه يمكن أن تتعدد القنوات الاتصالية للرسالة الواحدة.
وفي الختام.. أدعو طلبة الجامعات لا سيما في تخصصات الإعلام أن يُولوا الإعلام الأمني حضورًا عميقًا في دراساتهم وأبحاثهم واهتماماتهم العلمية، وتقديم الرؤى والاستراتيجيات المُناسبة والمواكبة للتطورات التي تشهدها المجتمعات المعاصرة.