عن المأساة والجحيم في غزة

 

 

وافي الجرادي

algradiwafi@gmail.com

 

الضربات الجوية الوحشية على قطاع غزة وتصاعد موجة العنف، وتزايد أعداد القتلى والجرحى في أوساط الأطفال والشباب والنساء، والتدمير الواسع لأحياء غزة كل هذه شواهد حية على أن ما تمارسه إسرائيل في هذه الحرب إبادة جماعية وتطهير عرقي بحق أبناء الشعب الفلسطيني الأعزل، وأن ما يجري لانتهاك خطير وجسيم للقانون الدولي الإنساني ولحقوق الإنسان، كما إن ما يحدث يدل على ازدواجية واضحة في المعايير الدولية وتحديدًا لأولئك الدول التي لطالما تغنّت بشعاراتها وسياساتها بكونها حامية ومدافعة عن حقوق الإنسان، بينما هي مشاركة فعليًا فيما يجري من انتهاكات بحق الإنسانية في فلسطين المحتلة.

في ظل ما يجري من مأساة وظلمٌ وقهر وإبادة في غزة لايمكن للمجتمع الدولي أن يغُض الطرف عما يحدث من مأساة وقتل وتشريد وتسويةً للمباني بالأرض وعدمها فوق ساكنيها وبصورة لا يقبلها منطق؛ فالدول الغربية كالولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا لها تعاملها ووفق ما تراه "الدفاع عن النفس" بغض النظر عمَّا يجري من جحيمٍ وظلم، ودون مراعاة للإنسانية، فباتت هذه الدول تقف وبكل ما تملكه من مقومات وسياسات مع إسرائيل وأن ما تفعله من فظائع وقتل وحصار لمن الواجبات التي على الكيان الصهيوني القيام به، متغاضيةً عما ينجم من وحشية وإرهاب وتجويع وتشريد للمدنيين العُزّل.

تعمل حكومات الدول الغربية على دعم وإسناد إسرائيل في هجمتها الظالمة على غزة، بينما عشرات الآلاف من مواطني هذه الدول يخرجون للشوارع تنديدًا ورفضًا للمجازر التي يرتكبها الاحتلال الصهيوني بحق أبناء غزة، رافضين استمرارية الحرب ومتعاطفين مع غزة وما تمر به من مأساة وجروح يندى لها جبين الإنسانية جمعاء.

والشاهدُ أن اللوبي اليهودي وبفعل توّغله في أنظمة حكم دول الغرب استطاع كسب المزيد من الدعم والتأييد والمساندة، وكل هذا مكّنه من ممارسة وارتكاب الكثير من المجازر، وانتهاك حقوق الإنسان، ومصادرة الأراضي والتوسع في الاستيطان آمنةً بأنه لا يوجد رادع لها لا قوانين دولية ولا دول ولا حكومات وصولًا لمحاولة طمس القضية الفلسطينية تمامًا وهو ما تسعى له إسرائيل من هذه الحرب الوحشية على غزة.

الغرب لطالما أظهر انحيازه الكامل لصالح إسرائيل، ووقف حجر عثرة أمام إلزام الكيان بتطبيق القوانين والدعوات الأممية ومنظماتها الإنسانية، ووفّر الدعم غير المحدود لها لتفعل ما تشاء بالفلسطينيين، ما يُدلل حجم الهيمنة والسيطرة لهذا اللوبي على هذه الدول ودعم حكوماتها له؛ بل إن الكثير من هذه الدول تحاول التأثير على التوجهات الحكومية العربية، وحرف مسار توجهاتها الرامية لحماية المقدسات والوقوف ضد الانتهاكات والممارسات الصهيونية، كما وتقف ضد من يدعم القضية الفلسطينية وتوسمه بوسم الإرهاب والخيانة، وتعتبره مجرد عدو وتتعاطى معه بقسوة مُسخّره بذلك كل أدواتها وسياساتها لمعاقبته، وإلحاق الأذى به في ازدواجية واضحة عن تخلخل وتصدُّع لمنظومة القيم والأخلاق، ووفق ما تسيغُه المصالح لهذه الدول.

ندوب كثيرة ستتركها هذه الحرب الأكثر من وحشية على نفوس الأجيال، ولن ينسى الكثيرون فظاعة مثل هكذا جرائم، يُقتل فيها الصغير والكبير دون استثناء، وتُهدم كل المباني بمن فيها المشافي والمساجد والكنائس وكأن كل شيء في غزة لا يستحق الحياة، وإنما يستحق الإبادة والنفي، في صورة تُجسّد حجم التمادي في الإجرام والظلم والطغيان بحق غزة وساكنيها ومبانيها لدرجة حتى أراضيها الزراعية تُحرق وتُهلك للأسف، فضلًا عن عدم تفريق هذا المحتل لماهو مدني ولما هو عسكري، ولما هو طفل ولما هو كبير.

كل شيء في غزة خصمٌ للكيان الصهيوني هذا ما يجب اعتباره عند النظر لما آلت وتؤول إليه مجريات الحرب فيها، ما يعني أن ثمة إفلاس لا نظير له في أخلاقيات وقيم المحتل ومُسانديه وداعميه، وأن ما يحكم هذا العالم من مؤسسات ومنظمات حقوقية وإنسانية مجرّدة عن إيقاف المأساة، وأن من يحكم العالم هي القوة التي تبتلع الضعفاء وتُصادر الأراضي وتقتل الأطفال وأمام مرأى ومسمع الجميع في العالم.

تبقى غزة وبفعل سياسة التدمير والتطهير المُمنّهجة مدينة مُبادة ومنكوبة، فيما العالم عاجزٌ عن وقف هذه الحرب فلا وقود ولا دواء ولا غذاء وكأن العالم كل العالم مُجمعٌ على معاقبة غزة وكل ما فيها.

وحال كهذه لا يمكن اعتبارها سوى فشل ذريع له من التداعيات والتبعات ما يجعل من المنطقة والعالم يدفعون الثمن، وأن ما يحدث لدوّامة ستطالُ الأمن والاستقرار في منطقتنا وربما العالم في حال أفرزت هذه الحرب فتح جبهات متعددة مع إسرائيل وأمريكا، وتعرُض المصالح ومصادر الطاقة وطرق التجارة للتأثير، وهو ما لا يمكن استبعاده إن خرجت الأمور عن السيطرة ولم يتم احتواء الصراع.

تعليق عبر الفيس بوك