في دائرة الاتهام

 

خليفة بن عبيد المشايخي

khalifaalmashayiki@gmail.com

يقول الحق تبارك وتعالى: "إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ ۖ فَهَلْ أَنتُم مُّنتَهُونَ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَاحْذَرُوا ۚ فَإِن تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّمَا عَلَىٰ رَسُولِنَا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ" صدق الله العظيم، ويقول: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ ۚ وَمَن يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ" صدق الله العظيم. وقال جل جلاله "يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلَالًا طَيِّبًا وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ ۚ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ" صدق الله العطيم.

لقد استفتحت مقالي هذه المرة مستشهدًا بقول الله تعالى فيما سيأتي سرده وتوصيفة وذكره والإشارة إليه في سياق هذا المقال. ففي حياتنا هذه، تتعدد صور ومظاهر عيش الإنسان في هذه البسيطة بأنماط وأساليب وطرق واتجاهات مختلفة، فنحن اليوم فوق الأرض، وستأتي لحظة وسنغادرها؛ سواءً كُنَّا في غفلة ساهون أو مستعدون لتلك المغادرة وذاك الرحيل بأعمال صالحة، أو كنا غير مستعدين؛ فالموت سيأتينا سيأتينا وسيأخذنا، ولم لم نعد له بعد العدة المناسبة، أو لم نتهيأ له ذلك التهيؤ الذي يجعلنا أن نجعل منه خير غائب ننتظره، والقبر خير بيت نعمره.

فالكيِّس- وفي رواية العاقل- من عمل لما بعد الموت، والعاجز من اتبع نفسه هواها وتمنى على الله الأماني، أو كما قال صلى الله عليه وسلم. الرحيل للأبد سيكون وحيدا مفردا، "مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى" صدق الله العظيم.

ومن خلال ما تقدم من آيات قرآنية، فإن المقصد منها هو مذكرًا نفسي بها أولًا حتى تستقيم على أمره جل جلاله أكثر مما هي عليه الآن، وكذلك لكي استذكر معك عزيزي القارئ، قول الله الكريم وقول رسوله صلى الله عليه وسلم، فالتذاكر في الله يجب أن يكون على الدوام مستمرا، وهدفنا وغايتنا ووسيلتنا وحياتنا كلها.

فالله تعالى أكد في سياق هذه الآية التي تقول "وذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين"، أكد على تحقق المنفعة من الذكرى. ولهذا كان رائدي ومطلبي وجل اهتمامي من خلال هذه الذكرى، هو استدامة وإدامة الخير والصلاح للنفس البشرية بما فيهم أنا.

وإنه لما كان الأمر كذلك، فإن أسباب مزالق الإنسان عن الصواب والحق إلى أعمال الشر والإجرام، هو اتباعه لخطوات عدوه الشيطان الرجيم، ومن ثم نفسه الأمارة بالسوء، وكذلك الركون إلى دنياه الدنية وهواه الزائغ والزائف والمائل والمنحرف عن الحق، وبالتالي متى ما وصل الإنسان الى هكذا مواصيل، فلا غروَّ أن يرتكب المحرمات، ولن ينتهي عن المنهيات من الله تعالى ورسوله الكريم.

ونتيجة لذلك فإننا سنرى وسنسمع وستقع جرائم كثيرة، وأفعال محرمة ومجرمة في قانون الله تعالى وفي القانون البشري، ممن سلم نفسه للشيطان وللنفس الأمارة بالسوء.

ومن هذه الجرائم البشعة النكراء التي يرتكبها من تحكم فيه وعليه شيطانه، هي جريمة القتل، كالتي حدثت وفجع بها مجتمعنا المحلي والخليجي والساحة الإقليمية مؤخرا، عند إقدام مجموعة من الناس ونفر منهم، خارجون عن صوابهم، سولت لهم أنفسهم ارتكاب جريمة مروعة بشعة وشنعاء، وذلك باختطاف شخصية مجتمعية مرموقة ومعروفة في البلد وخارجه، يكن لها احترام وتقدير كبير من مختلف طوائف وشرائح المجتمع، والاعتداء عليه بقتله، وذلك يوم الخميس من شهر رمضان الفائت، الحادي والعشرين منه، الموافق له 14 من أبريل المنصرم، وتم العثور عليه ظهر الجمعة مقتولًا، أي اليوم التالي لخطفه ومقتله.

حقيقةً من يُقدم على هذا الفعل فهو مجرم متمرس؛ إذ كيف له أن يزهق روح إنسان بريء أعزل، فما قام به أولئك الأشخاص، لا يمكن بأي حال من الأحوال الرضا به وقبول دوافعه ومبرراته وأسبابه التي أدت إلى ارتكابهم لهذا الجرم الكبير، وليس بالإمكان الاعتداد بأي قول ومسبب ودافع ساقهم لذلك أباح لهم فعلهم القبيح الشنيع، والقتل العمد مع سبق الإصرار والترصد.

الاعتداء بالقتل وبطريقة وحشية على رجل صالح وكريم وشهم وشيخ وقور متواضع، ورجل كبير في السن بحجم وبمكانة الشيخ محمد بن سعود الهنائي- تغمده الله بواسع رحمته وأسكنه فسيح جناته- وعلى أي نفس آمنة مطمئنة، أمر مرفوض وغير مقبول أبدًا، فلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، وحسبنا الله ونعم الوكيل، وإن شاء الله الجزاء سيكون من جنس العمل إن شاء الله.

إن فعل كبير كهذا أثر في نفوسنا جميعًا، وسيبقى أثره يذكر ويتداول تتناقله الأجيال، لسنوات طويلة جدا، وستحكي قصته كثيرًا.

وحينما نفند ونفسر وندرس ونتابع ونستنتج ونستنبط ونحلل ونستقريء حال من يقدم على هذا الإجرام الكبير المرفوض، وأي فعل مثله ويندرج تحته وعلى شاكلته، وكل عمل وفعل وتوجه وما هو مخالف للفطرة السوية، وللعقل البشري السليم، وللتروي والرزانة، ومتعد على الشريعة والقانون والنطام العام والعادات والتقاليد، نجد أن الابتعاد عن إقامة الصلاة والصلاح والاستقامة وفساد النفس والانغماس في المعاصي وارتكاب الذنوب وعدم الإحساس والشعور بالمسؤولية تجاه الغير، هو المسيطر على العقول والمسير لها في طرق لا ترضي الله تعالى ورسوله ولا الناس الصالحين.

لا نقول إلّا رحم الله تعالى شيخنا الفاضل الجليل الشيخ محمد بن سعود الهنائي رحمة واسعة، وألهَمَ أهله وذويه وأولاده وقبيلته وعشيرته وكل من عرفه والمجتمع بأسره الصبر والسلوان، "فإذا سيد منَّا خلا قام سيد، وما غاب مجد حين مات محمد، تراه يخط الأرض رغم مماته، فهل مات حقا وهو في الناس أحمد".

تعليق عبر الفيس بوك