"آب اللَّهاب يقلع المسمار من الباب"

 

لينا الموسوي

"آب اللَّهاب يقلع المسمار من الباب"، مثل عراقي شهير كان يتداوله أجدادنا وما يزال متداولًا إلى يومنا هذا، يصف حرارة شهر آب (أغسطس) في العراق والخليج العربي وبعض الدول العربية الأخرى، ووصفه من شدة الحرارة باللهاب وفيه تستوي الأرطاب وينجمع الأحباب.

هذا الشهر الذي يأخذني بفكري إلى ماضٍ جميلٍ كان يعيش فيه أجدادنا بالعراق والخليج العربي، ماض كانت المدينة بكل تلقائيتها وبساطة بنائها مُصممة من قبل البنّاء الذي كان يتبع أنظمة بناء مدروسة حسب الاحتياجات الإنسانية، المدينة التي بدروبها الضيقة المنحرفة وفسحاتها المتنوعة يجتمع الأحباب تحت ظل أشجار نخيلها وسدرها العالي ليتسامروا. المدينة التي تتميز ببساطة واجهات بيوتها الخارجية وجمال وعمق تفاصيلها الداخلية من حيث اختيار المواد واستخدام الحلول المناخية الصحية كخلق تيارات هوائية لطيفة وفناءات فسيحة يلتم حول نوافيرها الآباء والأجداد ويلعب الأحفاد.

كانت المدن القديمة مثالا حيَّا وجميلا للحلول المعمارية الصحيحة التي وفرت كل المتطلبات النفسية والبيئية والاجتماعية؛ حيث اهتم بنَّاؤها آنذاك بإيجاد حلول بيئية واجتماعية وإنشائية جذرية مبنية على فكر عميق يسعد أرواح ساكنيها ويزيدهم ترابطاً ومحبة مكونة نسيجاً جميلاً تعطيها شخصية ومعالم واضحة مختلفة عن ما هي عليه في الوقت الحاضر؛ حيث تعتمد تصاميم البناء غالبًا ما على المظهر الخارجي، والمخططات المعمارية في حلولها المناخية على التهوية الصناعية وتقنيات البناء الحديثة فقط دون الاستفادة من ما تركه الأجداد من فكر مدروس لتكوين بيئة صحية مستدامة تساعد في حلولها على تحسين الجو والتخفيف من حدة درجات الحرارة.

نجد أن كثيراً من هذه المدن فقدت معالم شخصيتها وفكرها الحقيقي ونسيجها الاجتماعي الجميل، وأخذت تدريجيًا تتحول معالمها إلى مدن مُستنسخة بأشكالها وأفكارها وحلولها المعمارية من الغرب والتي لا تتناسب مع الحياة البيئية والاجتماعية لهذه المدن، فأضعفت من شخصيتها ومعالمها القوية التي كانت تتحلى بها.

ما أود قوله أن المدن العربية بطبيعتها وبيئتها ومجتمعاتها وتقاليدها الحميمة، تصبح أكثر جمالًا وأكثر تفردًا في حالة الاستفادة من حلول وتقنيات الماضي، ومحاولة دمجها مع التقنيات الحديثة، فتصير أكثر استدامة وأكثر تفردًا، ويعود من جديد اجتماع الأحباب في شهر آب ليجمع الأرطاب.

تعليق عبر الفيس بوك