للتسامح أوجه أخرى

 

أمينة أحمد

العائلة الدمشقية في البيئة الشامية غالبًا ما تكون على توافق مع معظم أهالي الحي الذي يقطنون به ولكن لا تخلو من بعض  المناقشات والخلافات بين عائلة وأخرى لأسباب قد تكون وجيهة أو أسباب غير منطقية من وجهة نظر الآخرين.

ودومًا تمتد أيادي الخير لإزالة الخلافات بين عائلة وأخرى حتى لو كان بينهم دم (أي زهق روح من أحدهما على يد الآخر) مرات تنجح المحاولات في إبرام عقد الصلح، ولكن مرات عديدة تخفق لأن الطرف المتضرر لا يملك قوة المسامحة على الأذى الذي لحق به، هذا حال البيئة الشامية من مئات السنين والأصح هذه الحياة البشرية من أول الخلق لها.

فماذا عن حالنا في عصر الرقميات وبرامج التواصل الاجتماعي التي أصبحت معيارا لمقدار اهتمام أو محبة الآخر لنا أو أساس العلاقة التي تربطنا ببعض خاصة بالنسبة للجيل الناشىء في عصر التكنولوجيا؟

على سبيل المثال لا الحصر، لو دار خلاف بين صديقين وربما أخوين على أمر ما واشتد الخلاف لحظر أحدهما الآخر من مواقع التواصل الاجتماعي بغرض التعبير عن الغضب منه وإعلامه بقطع العلاقة معه.. كما لو أن أحدا نشر صورة له على تلك المواقع وآخر لسبب ما لم يعلق أو يرسل رمزا تعبيريا عن إعجابه أو تعاطفه كلما نشر.. فينتظر الآخر بدوره أن يبادله نفس التصرّف في حالة مُماثلة... ومرات يكتب أحدهم تعليقا ما يعتبره صاحب المنشور نوعا من السخرية أو تقليلا شأن لما نشر.. علمًا بأن الأول لم يعلّق إلا بما يقتنع من أفكار في هذا الخصوص.

في مقلب آخر من الموضوع ماذا لو كان الأمر أكثر جدية من وضع إعجاب أو تعليق؟ ماذا لو كان من حجبك عن صفحاته فعلًا قد تأذى منك لسبب وجيه؟ ماذا لو كان لا يملك القدرة على مسامحتك لما فعلت معه على أرض الواقع؟ ماذا لو انتهكت خصوصيته أو جرحته بتصرفاتك؟

لنتذكر أنَّ البشر ليسوا ملائكة فإذا أنت تملك من السلم النفسي والتصالح الإنساني مع نفسك ما يجعلك تنسى أو تتغاضى عن أذية الآخر.. فربما الآخر لا يملك تلك المرونة في علاقاته وعواطفه فلا يمكن أن ألومه بمجرد أن أتيته معتذرًا.. ونعلم أن لكل إنسان بصمته الوراثية وطباعه الخاصة به.

وهنا نقف أمام مشكلة تقييم العلاقات بالآخر من خلال تلك المواقع التي تنقل الصورة وترسل الكلمات الخالية من المشاعر والأحاسيس والتي تحمل في معظم حالاتها طابع المجاملة والملاطفة الخادعة أو الكاذبة أو النقد غير البناء واللاذع والمكتوب بغير محله المناسب؛ فالبعض ينسى أن مواقع التواصل الاجتماعي ليست المكان المناسب لتبادل الآراء أو حل الخلافات أو توطيد العلاقات، وهذه من أهم مشاكل العصر مع جيل قديم عاصر التكنولوجيا على كبر وجيل شاب خُلق في عصر أصبحت التكنولوجيا جزء أساس من حياته.

مفاد الكلام.. لا تجعل تلك التكنولوجيا معيارا لعلاقات الإنسانية، ولتكن جسر عبور لا محطة انتظار ولا تعتبرها وقفة إنجاز في حياتك؛ فالمشاعر والأحاسيس والأفعال هي معيار الإنسان لإنسانيته، ولو استطعت أن تسامح فـأنت إنسان رائع تحمل بين طيات نفسك الكثير من الخير وتسعى في أعماقك للأمان النفسي. لكن تذكر أنك لا تستطيع دومًا فعل ذلك دون أن تأخذ وقتك وتراجع حساباتك ومدى تأثر علاقتك بمن تنوي مسامحته .. مرات نخفق في ذلك لأننا بشر  وهكذا لو أحد أحجم عن مسامحتنا فلندع الأمر للأيام وللوقت فالوقت كفيل بكل شيء.. لا تفرض نفسك على غيرك.

وتذكر ما يمكن أن تتخطاه أنت بكرم أخلاقك، قد يصعب على الآخر الذي تحيط به ظروف نجهلها أن يتخطّاه.

تعليق عبر الفيس بوك