إدمان التفاصيل

أمينة أحمد

الصباحات الجميلة في البيئة الشامية تبدأ من ساعات الفجر الأولى، عندما تلتف الأسرة حول المائدة في الفسحة السماوية بالقرب من شجرة الياسمين، لتبدأ طقوس الصباح التي يدشّنها فنجان قهوةٍ، وتبادل الكلمات الوردية الإيجابية وأحاديث تتناول تفاصيل اليوم بدءاً من تحديد نوعية طعام الغداء مروراً بالزيارات والاستقبالات في هذا اليوم إلى ما هنالك من التزامات على العائلة، ما يعتبر في يومنا هذا "التخطيط الأسري".

الآن، ونحن في القرن الواحد والعشرين، بات لكلٍّ منا طقسه الصباحي، فلم تعد طاولة الصباح هي التي تجمعنا، ولم تعد التقاليد تحكم الأسرة الواحدة في الكثير من الأمور، فصار لكلٍّ طبيعته نتيجة طبيعة عمله، انشغالاته، مكانه... إلخ، وبعدما كانت تسير الحياة بنسبة كبيرة بخطواتٍ واضحة ومعروفة، بتنا نسير الآن بصورة نمطية، تتحوّل في الكثير من الأحيان إلى إدمان دون أن نشعر بها، فهذا يبدأ يومه بفنجان القهوة... والآخر لا ينتهي يومه إلا بقراءة بعض الصفحات من روايته.. وأحدهم يبدو يومه معكرًا إلى أن يمر ببيت أهله وينهل الرضا من الوالدين، وهذا وذلك وهؤلاء أشخاص أدمنوا تفاصيل صغيرة في حياتهم لو لم يفعلوها بيومهم لتغير طبعهم وتعكر مزاجهم. وفي لحظات لشعروا أن الحظ يعاكسهم، وينتاب البعض منهم نوبات من الاكتئاب في حال تغير ذلك الطقس الذي أدمنه لفترة طويلة، كمرض يمنعه من شرب القهوة أو وفاة أحد الوالدين، وهنا نقع ضحية الإدمان للتفاصيل، التي غالبا لا تدوم وكمال يقول المثل "دوام الحال من المحال".

فما هو الإدمان؟

الادمان يعني الاستسلام الجسدي والنفسي لعادة أو أدوية أو أنشطة معينة، بحيث يصبح العيش متوقفاً عليها عضوياً ونفسياً ويصعب تركها، ويؤثر الإدمان على عمل الجسم والدماغ، ويترتب عليه أضرار ومشاكل وخيمة تصيب العائلات، والعلاقات الاجتماعية، وأماكن العمل والدراسة.

ويعد الإدمان عبارة عن اضطراب سلوكي يفرض على الفرد تكرار عمل معين باستمرار لكي ينهمك بهذا النشاط، بغض النظر عن العواقب الضارة بصحة الفرد أو حالاته العقلية أو حياته الاجتماعية.

فهناك بعض الأنشطة التي تمثل إدماناً أو سلوكاً إدمانيًّا يفضل التفكير فيه لإيجاد العلاج له قبل أن يتحول إلى مشكلة صعبة الحل، كإدمان مواقع التواصل الاجتماعي أو لعب ورق الشدّة أو السهر لساعات متأخرة من الليل أو إدمان الدخان بالرغم من معرفة أضراره، أو أكل الحلويات بكثرة مما يؤدي للإضرار بالصحة، وهنا يجب التفريق بين الإدمان وما يوصف بـ"السلوك الإدماني الإيجابي"، هو سلوك يتصف بكونه مجزيًا ومعزّزاً كإدمان المطالعة أو ممارسة الرياضة أو تحديد يوم للعمل الطوعي.

وتكمُن المشكلة في صعوبة الاستمرار بما اعتدنا عليه، وهذا يؤكّده فكرة التغيرات التي تشهدها الشخصية البشرية، التي يكتنفها الغموض، على مدار مراحل تقدّم العمر؛ حيث أكدت الدراسات التي أُجريت على مدار عقود، بشأن التأثيرات الناجمة عن التقدم في العمر. وفي هذا الشأن، يقول رينيه موتوس، عالم نفس في جامعة أدنبرة: "الخلاصة تتمثل تحديداً في أننا لن نبقَ الشخص نفسه طيلة حياتنا". أما العالم "داميان" فيرى أن معرفتنا بأن شخصياتنا قابلة للتغير أمر مهم، بعدما ظللنا لوقت طويل، نعتقد أن العكس هو الصحيح. وتضيف: "الآن نرى أن شخصياتنا قادرة على التكيف، وهو ما يساعدنا على التواؤم مع التحديات التي تفرضها الحياة علينا". وهذا يؤكد كون الطقوس الخاصة بنا تتغير مع تغير المرحلة العمرية ولكن المفارقة أننا نعاني من معالجة إدمانها قبل تغيرها.

ما أجمل تلك الحياة اليومية التي تحمل في طياتها إدمان الإنسانية بكل معانيها وتفاصيل والتي لا تحتاج إلى أي مقاومة أو تغير في كل مراحل حياتنا.

تعليق عبر الفيس بوك