صديقي

 

 

عمرو العولقي

 

هل قابلت رجلا أو امرأة يرتدي قناعا؟ أقنعه تغلفهم بمهارة وتخفيهم عن الأعين، وكأنه سحر من نوع آخر،هم ليسوا كالذين نراهم في المهرجانات أو عروض السيرك الجميلة، هم بشر مثلي ومثلك، نتعايش معهم بشكل يومي .

وقد نحاول أنا وأنت يا صديقي ارتداء بعض أقنعتهم، إلا أننا نفشل في ذلك سريعا، وتشي الأقنعة بملامحنا فتقع.

إذن؛ لم لا تسقط أقنعتهم ولا تكشف؟ هل هم فضائيون؟ كالفيديوهات القصيرة التي تتصدر التريندات لمشاهير يرتدون أقنعة وحقيقتهم أنهم من عالم آخر أو عالم سفلي مخيف؟

صديقي العزيز، الحقيقة هي أنك وأنا نعيش مع نوع مغاير للمخلوقات البسيطة، إنهم بشر يشبهوننا أي نعم! ويأكلون معنا، صحيح، وقد يعيشون معنا في نفس المنزل أحيانا. إلا أن المضحك، هو أن بعض هذه الأقنعة تكون واضحة والبعض الآخر مخفية تماما ولا يمكنك تمييزها، ولا تقل لي أنك لا تراهم كل يوم!

أتعلم! الغريب في الأمر، أن بعضهم قد يرتدي أكثر من قناع وبألوان مختلفة، والمضحك، هو أن بعض هذه الأقنعة قد تكون واضحة والبعض الآخر مخفية تماما ولا يمكنك تمييزها.

يبقى السؤال الوحيد هل تستطيع تمييزهم والتعرف عليهم؟

صديقي، لا أخفيك سرًّا أنَّني عن نفسي لا أعرف الإجابة، فقد تكون بنعم أو لا.

فعلى سبيل المثال، رأيت ذات مرة موظف يكاد يركع على ركبتيه ليصب القهوة للمدير، بل ظننت أن رأسه سيلامس الأرض وذلك كي يحصل ربنا على تقدير أو مصلحة وربما ترقية. ومرة أخرى خلال سنوات عمري التي قضيتها في التنقل بين جهة وأخرى لأنهي معاملات هنا وهناك، عرفت موظفا يخرج من العمل ويقوم على خدمة المدير وأسرته ليثبت لرئيسه في العمل أنه شخص خدوم بلا حدود، فكان خادما وسائقا ومربية أحيانا، العجيب في الأمر أن أصحاب قناع ماسح الجوخ، بمجرد حصولهم على منصب تتقلب شخصياتهم، وفجأة يصبحون حازمين لا يعترفون إلا بمعيار المعاملة بالتقرب وإذلال الموظفين، وكأنه واجب يتم توارثه.

نموذج أخر، مدير لا يحمل الكفاءة الكافية ويستغل الموظفين في إنجاز مهماته فيقوم بتحفيزهم وتقريب بعضهم بوعود كاذبة ليتمكن من صعود درج السلم الوظيفي على ظهور الكادحين، مرتديا الحب الأبوي والأخرى كقناع الاستغلال.

وأخطر المقنعين هم أولئك الذين يعاملونك بكل طيب وويطعنوك حين تدير ظهرك سواء بالنميمة الكاذبة أو التقليل من شأنك أمام الآخرين.

وقناع الزيف، الذي ترتديه بعض النساء، تكاد لا ترى منها شيئا إلا وهو زائف، العينان عدسات والرموش تركيب والشعر خصل مستعارة واللون كريمات تفتيح والطول كعب عال والأنف كونتور، ثم حين تكتشف الحقيقة، يكون الاوان قد فات وترضى بماقسمه الله لك، إلا أن هذا القناع يجعلك خبيرا في كشف هذا القناع بسهولة.

أقنعة البراءة، وضربني وبكى وسبقني واشتكى، وقناع الغنمة، الذي يجعل صاحبه يتظاهر بالبلادة والطاعة العمياء، وقناع طاقية الإخفاء، تجعل منه لسا شريفا يختلس ويرتشي ويتلاعب بالأوراق بخفة ومهارة، وقناع المرأة الصبورة الطيبة والتي ينكشف قناعها حين يصبح زوجها مديونيرا بسبب طلباتها النرجسية.

صديقي العزيز، هذه مجرد أمثلة بسيطة، تلك الأقنعة ليست شيئا ماديا يمكنك رؤيته بالعين المجردة، بل هي مجموعة من التصرفات والسلوك التي يحملها من حولنا ويتعاملون معنا بها، كل بحسب شخصيته وميوله وأهدافه، قد نكون أنا وأنت نلبس أحد تلك الأقنعة ولكننا لا ندرك ذلك.

صديقي، نحن الآن في زمن التسارع وأصبحت الشخصيات تبنى بعناصر ومدخلات جديدة مختلفة، أصبح التعليم والاعتماد على التطور التكنولوجي والذكاء الصناعي ووسائل التواصل الاجتماعي هي أساس صناعة لأقنعة جديدة وخطيرة تغزوا منازلنا وتطوع أبناءنا وبناتنا للبس تلك الأقنعة والتعامل بها،بل وجعلها أمرا طبيعيا.

وإسقاط تلك الأقنعة الموجودة لن يتأتى إلا بالقوانين الصارمة ومحاربة الزيف بكل أنواعه، والحماية والحد من هذه الأقنعة يقع بشكل رئيسي على عاتق الآباء، والنظام التعليمي المحصل من المدارس أو الشبكة المعلوماتية،ولا ننسى المؤثرون المتواجدون بالساحة .

صديقي الغالي، إن غرس وتوجيه الشخصيات منذ الصغر، وكشف الزيف بطرق حديثة وعلمية تترسخ لدى الأطفال، ربما سيخلق مجتمع متعاون ومتعايش على الفطرة الإنسانية، إلا أن كل ذلك دون عقاب مجتمعي لن يفيد.

تعليق عبر الفيس بوك