عجيب أمر هؤلاء البشر

 

د. هبة بت عريض **

 

يستقبل بعض منسوبي الأحزاب التي كان لها دور في حرب الخرطوم أخبار دمار الخرطوم وتشريد سكانها بحفاوة بالغة، وضحكات استهتارية وبعض المجاملات، وكأن شيئًا لم يكن، وكأن حربًا تدميرية لم تقع طيلة السبع والثلاثين يومًا المنصرمة، وكأن قرارات رسمية لم تصدر بعدم شرعية الدعم السريع، وانتهاكاته لكل الحرمات الإنسانية والمؤسسية، وهروب جماعي من العاصمة السودانية الخرطوم إلى الولايات والبعض إلى خارج البلاد، ومصير مجهول للقابعين في بيتوهم (كرهًا لا طوعًا)، وشبه انعدام لضروريات الحياة من مأكل ومشرب وعلاج وكهرباء، كأنَّ ذلك كله حلم لا واقع يعيشه سكان الخرطوم الحزينة، منهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر عناية الله، ولعل الله أدرى بحالهم بعد أن غادر الذين تسببوا في إرباك المشهد وضياع الخرطوم إلى حيث أتوا، لم يذكروا كم أعطتهم تلك المدينة من عنفوانها وشبابها وأهدتهم ورود المحبة لكن الغدر كان طابعهم وما دروا أن رائحة الورد تعطر أنوف السارقين.

ألا يجوز أن يسأل سكان الخرطوم: لماذا الحرب إذن؟ ولماذا كل هؤلاء الضحايا والدمار ولماذا هم خارج ديارهم ولماذا ولماذا؟ وهل تغيّر شيء ما بعد الحرب أم أن الهدف الذي قامت من أجله هو نزوح ساكني الخرطوم ودمارهم النفسي والمادي والمعنوي قبل تدمير البنية التحتية الذي لم تسلم منه دور العلم والجامعات السودانية والبنوك؟

أم غيّرت هذه المليشيا أهدافها بعد أن فشلت في تحقيق هدفها الأساسي رأس الجيش فحولت هدفها لرأس الشعب؟ وماذا عن مقتل مئات السودانيين، وجرح وإعاقة مئات آخرين، وتشريد الآلاف، وتدمير السودان اقتصاديًا وضرب بنيته التحتية؟ وهل احترقت هذه المليارات دون الحصول على أي نتيجة؟

وهل كان ذلك العبث بأرواح الناس وحياتهم وأمنهم وممتلكاتهم مجرد اختبار دموي للقدرة على إسقاط الخرطوم؟!

وماذا عن المليشيا المسلحة، التي صنعتها هذه الدولة وزودتها بكل ما تحتاجه، بما في ذلك الأسلحة الثقيلة؟

وهل حققت هذه المليشيا أهدافها أم يقوم صُنّاعها الآن بالتخلي عنها وليتهم يتبرأون منها بدلًا عن التفكير في دمجها؟ وإذا تم دمج المتبقي منها إلى أين سيتم توجيهها هذه المرة وهل تؤتمن بعد الآن؟

ينبغي أن تسأل الشعوبُ أنظمتَها عن كل هذا العبث الوحشي بحياة الشعوب وأمنهم وسبل عيشهم، وعن العبث الجائر بثروات الشعوب التي تحكمها تلك الأنظمة، وينبغي أيضًا أن تُسأل:  كيف لها أن تعيد ثقتها لشعب كان يظن وخاب ظنه حين أدرك أنه خارج حسابات الحُكام بل خارج حسابات موارده.

"همسة"

بلادي وإن هانت عليّ عزيزة ولو أنني أعرى بها وأجوع!

ولي كل ضرغام أصول ببطشها وأشري بها بين الوري وأبيع.

وتظل ملوك الأرض تلثم ظهرها وفي بطنها للمجدبين ربيع

أأجعلها تحت الثرى ثم أبتغي خلاصًا لها؟ إني إذن لوضيع

** كاتبة سودانية

تعليق عبر الفيس بوك