"هيئة الوثائق" والريادة في حفظ التاريخ

مدرين المكتومية

مُنذُ أن تأسست هيئة الوثائق والمحفوظات الوطنية بموجب المرسوم السلطاني رقم (60/ 2007)، أي قبل 16 عامًا، والجهود الكبيرة لا تتوقف من أجل حفظ وتوثيق التاريخ العُماني، وتعريف الأجيال الناشئة به، وتسليط الضوء على أبرز محطاته المُضيئة، والبحث في صفحاته وبين سطوره، التي سطرها أجدادنا على مر الحقب والعصور.

وبالأمس، نظمت الهيئة في ولاية صور، ندوة "محافظة جنوب الشرقية في ذاكرة التاريخ العماني" والتي تقام لمدة 3 أيام وتهدف إلى تسليط الضوء على المفردات الحضارية والتاريخية والإنسانية والسياسية والاقتصادية والثقافية لمحافظة جنوب الشرقية، من خلال حزمة من أوراق العمل التي يقدمها باحثون وخبراء في مجالات التأريخ والتوثيق، علاوة على تنظيم معرض وثائقي مُصاحب يزخر بمجموعة من الوثائق والصور التاريخية والخرائط والمحفوظات، التي تعكس عبقرية تاريخنا، وبصفة خاصة تاريخ محافظة جنوب الشرقية وولاياتها العريقة.

في الواقع ومنذ التحاقي بالعمل الصحفي، ألاحظ أن عددًا من الجهات الحكومية تعمل بجهد ونشاط أكثر من المعتاد، مقارنة بجهات أخرى، ربما تكتفي بالأعمال الروتينية دون ابتكار أو ربما حتى تراجع في مستوى العمل، لكني أجد هيئة الوثائق والمحفوظات الوطنية ومنذ نشأتها، والقائمون عليها يواصلون الجهود الكبيرة من أجل حفظ وصون التاريخ العماني، سواء من خلال الوثائق التاريخية ومساعي جمعها من مختلف أنحاء عمان، بل والعالم، أو من خلال جمع الشهادات الحية على ألسنة الشيوخ وكبار السن، ممن عاصروا حقبًا زمنية سابقة، فيما بات يُعرف بالتاريخ الشفهي غير الموثق، وذلك من أجل توثيقه وفحصه وتدقيقه، وجمع المعلومات حوله والاستدلالات وغيرها من وسائل الجمع والتوثيق.

ومما يُحسب لهيئة الوثائق والمحفوظات الوطنية أنها تمارس مهامها بكفاءة وإتقان، وتعمل على إيصال صوتها وجهودها إلى كل أنحاء الوطن، فندوة جنوب الشرقية ليست الأولى ولن تكون الأخيرة، فقد سبقتها ندوات أخرى، وستليها ندوات مستقبلية تتناول الأبعاد التاريخية لكل محافظة، خاصة وأن كل منطقة في عمان تحتفظ بتاريخها الخاص، الذي يجب أن نشعر بالاعتزاز والفخر تجاهه.

لا شك أن التاريخ في حياة الأمم والشعوب يمثل الجذور المتينة الضاربة في أعماق الأرض، والحفاظ على هذه الجذور مسؤولية وطنية، فبجانب جهود هيئة الوثائق، يجب أن تتضافر جهود المؤسسات الأخرى، وأن نقوم نحن الإعلاميين بدور محوري وفاعل في تسليط الضوء على هذه الجهود، من خلال تغطياتنا الصحفية والإعلامية، وتقاريرينا والمقابلات التي نُجريها مع المسؤولين في هذا الجانب.

وعندما نتحدث عن تاريخنا العُماني، فإننا نشير وبوضوح إلى تاريخ يمتد لآلاف السنين، وليس فقط المئة أو المئتين سنة الماضية، وأيضا لا نحصر أنفسنا في التراب العماني من مسندم شمالًا إلى ظفار جنوبًا؛ بل عن كل بقعة وطأها العُماني، شرقًا وغربًا، في أقاصي آسيا، وفي أدغال أفريقيا، وفي الشمال الأوروبي والأمريكي، وفي كل أنحاء العالم. وهذا ما نجده في الدول التي نزورها، حيث الاحتفاء بكل ما له علاقة بتاريخ الدولة، أينما كان ومتى كان.

وختامًا.. إنني أوجه الدعوة للجميع من أجل المشاركة في مثل هذه الندوات المُثرية، والمؤتمرات التي تُنظمها هيئة الوثائق والمحفوظات الوطنية، وتعمل من خلالها على إبراز التاريخ العماني وتسليط الضوء على مراحله المختلفة، وتوعية النشء والأجيال الجديدة بتاريخ أجدادهم، فالجذور التي نعود إليها هي الأصل والمدد والعون لنا في حاضرنا ومستقبلنا، ولن نتقدم ما لم نتكئ على تاريخنا العريق ونفخر به ونُفاخر به العالم من حولنا.