طريق مسقط السريع.. "بطيء"!

المترو وإنشاء محور مروري موازٍ واستحداث مراكز خدمية حكومية بالأحياء.. أبرز حلول مواجهة الازحام المروري

اليحيائي: ضرورة وضع خطط مستقبلية عاجلة ومتكاملة لمعالجة الازدحام المروري وفق مراحل مدروسة

العلوي: الطريق يشكو من "الشيخوخة المُبكرة".. ولا بُد من نظرة تخطيطية طويلة الأمد

ضرورة إضافة 3 حارات في كل اتجاه لاستيعاب الكثافة السكانية والنمو العمراني

العدسي: حرم طريق مسقط السريع لا يسمح سوى بإضافة حارة مرورية رابعة فقط

العبري: ضرورة استحداث مخارج في بعض المناطق للتخفيف من الضغط المروري

 

الرؤية- فيصل السعدي

 

اختناقات مرورية يشهدها طريق مسقط السريع كل يوم، في أوقات مختلفة ومواقع متباينة، الأمر الذي يتسبب في خسائر معنوية لمستخدمي الطريق الذي أُنشئ في الأساس ليكون محورًا بديلًا وسريعًا للطرق الداخلية، فإذا به بعد سنوات قليلة من افتتاحه يتحول إلى "طريق داخلي" يعاني الاختناقات المرورية ولا يقدم الفائدة المرجوة، حسبما يرى البعض.

وأجمع عدد من الخبراء والمتخصصين على أهمية تحديث هذا الطريق من خلال إضافة حارات جديدة تسهم في التخفيف من الازدحام المروري، وإعادة تأهيله ليخدم شريحة أوسع من المستخدمين، مشيرين إلى أن الازدحام المروري يعود لجوانب فنية في الطريق، علاوة على الثقافة المجتمعية التي لا تقبل حتى الآن فكرة النقل الجماعي.

 

تحديات وحلول

ويقول سعادة الدكتور حمود بن أحمد اليحيائي رئيس لجنة الخدمات والتنمية الاجتماعية بمجلس الشورى إن تحديات طريق مسقط السريع تبدأ من مسماه؛ إذ لا تنطبق عليه شروط الطرق السريعة كما هو معمول به في العديد من دول العالم، حيث يتكون الطريق من 3 حارات فقط، مثل شارع السلطان قابوس، الذي يعد شريانًا حيويًا في قلب مسقط. وأضاف- في حديث لـ"الرؤية"- أن طريق مسقط السريع يعد الشريان الحيوي الثاني، لكنه يعاني من الاختناقات المرورية والازدحام في معظم الأوقات، لا سيما ساعات الذروة، في حين أن الهدف من مثل هذه الطرق يتمثل في تخفيف الازدحام عن الطرق الأخرى داخل المدينة.

حمود اليحيايي.png
 

ويرى اليحيائي أن ارتباط طريق مسقط السريع بالمحافظات علاوة على كثرة المداخل والمخارج من وإلى أحياء ومناطق سكنية ذات كثافة سكانية عالية، من أبرز أسباب الازدحامات المرورية التي تتشكل على مدار اليوم، وفي مواقع مختلفة منه. وأضاف أن استغلال الأراضي على جانبي الطريق وإقامة منشآت تجارية وخدمية وسكنية، جعلت من الطريق طريقًا داخليًا، على عكس الحال عند إنشائه.

أسباب فنية ومجتمعية

وتابع اليحيائي حديثه حول أسباب ازدحام "مسقط السريع"، قائلًا إن من بين الأسباب: ضعف التوجه إلى وسائل النقل الجماعي وعدم مجاراة النمو السريع في عدد السكان بإنشاء طرق جديدة أو توسعة الطرق القائمة، والتأخر في التخطيط والتنفيذ، وبطء عملية اتخاذ القرار. وأشار سعادته إلى أن بعض مستخدمي الطريق تنقصهم الثقافة المرورية الصحيحة؛ حيث يقود سائق مركبته في أقصى يسار الطريق بسرعة منخفضة، رافضًا التحول عن مساره، وكذلك الحال في المسار الاوسط من الشارع، ويزيد الامر تعقيدًا الشاحنات بكافة أنواعها وأحجامها التي تستحوذ على الحارة اليمنى، إذ لا توجد لها طرق خاصة بها، الأمر الذي يجعل من طريق مسقط السريع ضيقًا ولا يتسع سوى لحارتين لقائدي المركبات الخاصة، بينما الحارة الثالثة للشاحنات. وأوضح اليحائي أن النهاية المُغلقة للطريق في منطقة القرم، تعد من أبرز العوائق، حيث ينتهي الطريق في القرم مسببًا اختناقًا كبيرًا عند إشارات المرور.

وأوضح اليحيائي أن العديد من الجوانب المتعلقة بهذا الطريق تؤكد أن اسم طريق مسقط السريع لا يعكس حقيقته، وأن توسعته بإضافة حارة رابعة أو تحسين مداخله ومخارجه لا تعدو كونها حلولًا مؤقتة، ما لم يُصاحبها ابتكار لنظرة متكاملة للحركة المرورية في مسقط باعتبارها العاصمة. وشدد اليحائي على أهمية تعزيز ثقافة استخدام وسائل النقل الجماعي بأنواعه، وتطبيق لا مركزية الخدمات في المحافظات؛ للحد من اعداد مراجعي الوحدات الحكومية من خارج مسقط والذين يتوافدون على العاصمة يوميًا ويتكبدون عناء الطريق، ويُضاف لذلك عناء الازدحام الذي يقبعون فيه.

وحث اليحيائي على ضرورة وضع خطط مستقبلية متكاملة لمعالجة الازدحام المروري، تُطبق على مراحل مقرونةً بسرعة التنفيذ واتخاذ القرار.

النظرة التخطيطية

من جانبه، قال حمد بن سالم العلوي خبير جدول في تخطيط حوادث المرور إنَّ شارع مسقط السريع يتجاوز عمره هذه السنة 12 عامًا، مضيفًا أنه نظرًا لأن النظرة التخطيطية لهذا الطريق لم تتجاوز 5 سنوات، فمنذ فترة بعيدة يشكو الطريق من "الشيخوخة المبكرة"، على حد تعبيره. وأوضح العلوي أن النظرة القصيرة لهذا الطريق مع وجود ملاحظات كثيرة، تتسبب في زيادة التعقيدات يومًا بعد يوم، ضاربًا المثال بشارع الباطنة السريع المتمم لهذا الشارع، والذي أُنجز بعد سنوات من إنشاء "مسقط السريع"، وقد تحاشى الأخطاء التي وقع فيها مخططو مسقط السريع، إذ أُسس على 3 مسارات، ومسار رابع للشاحنات والحافلات، لذلك يخدم من 5 إلى 10 سنوات قادمة دون مشاكل في الحركة المرورية، وهو كلما تقدمت به المسافة يتخلص من عدد كبير من المركبات.

حمد العلوي.jfif
 

ويوضح العلوي السبب الفني وراء ازدحام "مسقط السريع"، قائلًا إن هذا الطريق المرجو منه تحمل حركة كبيرة بين العاصمة والمحافظات الأخرى، ففي الحركة بين العمل والخروج إلى المحافظات تجد عشرات الآلاف من السيارة تعبر هذا الشارع الذي كان سريعًا ولكنها تضطر للتوقف في نهر الطريق لساعات طوال الزحمة الكبيرة، وهذا سببه الضيق المبدئي في عدد المسارات، التي لا تتجاوز 3 مسارات فقط، وعند كل تقاطع يضاف مساران جديدان في كل مرة؛ الأمر الذي يُجبر المسارات الثلاثة لكي تكون مسارًا واحدًا فعليًا، وليس ثلاثة، لأن المساران الوافدان ينضمان بقوة إلى الشارع وبسرعة تُجبر الحركة المرورية الأساسية على الأطباء التلقائي، وكل إبطاء في الأمام لثوانٍ يتضاعف ليكون في الخلف دقائق، ثم لساعات بمرور الوقت، وهكذا دواليك.

حلول ضرورية

وينصح العلوي المعنيين باتباع الحلول الضرورية كي يقوم الطريق بدوره باعتباره طريقًا سريعًا خارج المدينة، وذلك من خلال إضافة 3 حارات في كل اتجاه من تقاطع القرم وحتى تقاطع نزوى، ثم حارتان في كل اتجاه من تقاطع نزوى حتى تقاطع بركاء، وتوسيع مسارب الدخول إلى مسربين في كل مرة، على أن تذهب مسايرة للطريق السريع لمسافة لا تقل عن 3 كيلومترات بحيث تعطي الفرصة لاستواء المسارات الوافدة مع المسارات السابقة، دون الاضطرار للتوقف لاستيعاب الحركة الجديدة.

وشدد العلوي على ضرورة وجود مخارج كثيرة تمتص الحركة إلى خارج الشارع السريع، معبترًا أن احتباس المركبات في مسار طويل لمسافات بعشرات الكيلومترات يدفع مستخدمي الطريق للانعطاف إلى شارع آخر بهدف الوصول إلى المكان المقصود، فهذا الأمر ينقل الكثافة المرورية من شارع لآخر دون ضرورة، ويُسبب إرباكًا لطرق أخرى هي في الأصل غير مستوعبة لحركتها القائمة؛ لأن الفلسفة المرورية تقضي بتفريغ الحركة بقدر الإمكان من أقرب مكان.

وأشار العلوي إلى حلول أخرى منها تعزيز ثقافة النقل الجماعي وإنشاء خطوط مترو أو القطار المُعلق "مونوريل"، موضحًا إمكانية تنفيذ هذه المشاريع على المدى البعيد.

الازحام والنمو السكاني

ويقول المهندس محمد بن نعيم العدسي استشاري تخطيط حضري إن الازحام في العواصم والمدن والكبيرة الرئيسية سمةٌ عامة، ومؤشرٌ على نمو المدن، لكن الازدحام الذي نشهده في العاصمة مسقط له سماته الخاصة؛ حيث يُلاحظ أن الازدحام يقع على المحاور الرئيسية، وفي اتجاه واحد فقط وخلال ساعات محددة من اليوم، إلا في بعض الحالات الاستثنائية كالحوادث والمواكب الرسمية... وغيرها، وهذا يقودنا إلى ضرورة دراسة أسباب هذا الازدحام في هذه الأوقات وفي تلك الاتجاهات.

م. محمد العدسي.jpeg
 

ويُلخّص العدسي أسباب ازدحام "مسقط السريع"، قائلًا إنه يعود في الأساس إلى تمركز الشركات والمؤسسات الحكومية في جانب واحد من المدينة؛ حيث إن مسقط مُعروفة بأنها مدينة شريطية تمتد على طول الساحل من ولاية قريات وحتى منطقة المعبيلة بولاية السيب، وإذا ما نظرنا إلى خارطة توزيع الأراضي في مدينة مسقط، يتضح أن أغلب المؤسسات الحكومية متمركزة في منطقة حي الوزارات وحي مرتفعات المطار وجميعها تقع ضمن النطاق الإداري لولاية بوشر، كما إن أغلب العاملين في هذه المؤسسات والمراجعين لها يقطنون في ولاية السيب؛ نظرًا لأن هذه المناطق كانت الامتداد الطبيعي لنمو مدينة مسقط وتوسعها، وفي المخططات الهيكلية القديمة للمدينة تم حجز أماكن المؤسسات الحكومية الحالية ولم يراعَ إنشاء أكثر من مجمع للخدمات الحكومية في كل منطقة، ويجري توزيع الأراضي على المواطنين فيها للتقليل من عدد الرحلات اليومية وتسهيلًا على المستفيدين من الخدمة.

ثقافة النقل العام

وأضاف العدسي أن الأسباب الأخرى وراء ازدحام "طريق مسقط"، غياب ثقافة النقل العام؛ بل إنها غير مطروحة نهائيًا في مجتمعنا وذلك لسهولة امتلاك سيارة وعدم مبادرة الجهات المعنية بإيجاد وسائل النقل العام المريحة والسريعة والآمنة، وإلزام المؤسسات الحكومية والشركات الخاصة موظيفها على الحضور في وقت واحد ومغادرتهم للعمل في نفس الوقت. وعدد العدسي أسبابًا أخرى من بينها أن تصميم طريق مسقط السريع يعود لسنوات طويلة قبل إنشائه؛ لذلك ونظرًا لعدم توافر الميزانية الكافية، اكتفى القائمون على مشروع الطريق ببناء 3 حارات فقط، ولم يضعوا في الحسبان ضرورة ترك حرم كافٍ بالطريق، من أجل إتاحة المجال أمام أية توسعات مستقبلية للطريق، لمواكبة النمو العمراني والزيادة السكانية، وهما عنصران مؤثران للغاية في تخطيط المدن.

ويطرح استشاري التخطيط الحضري عدة اقتراحات يأمل تنفيذها على المدى القصير، من بينها إضافة حارة مرورية رابعة إلى الطريق، مشيرًا إلى أنه من الصعب هندسيًا إنشاء أكثر من حارة نظرًا لتوزيع الأراضي على جانبي الطريق وتحديد حرم الطريق بمبانٍ قائمة.

كما يأمل العدسي إعداد دراسة عاجلة لإنشاء "مترو" على طول الطريق السريع أو شارع السلطان قابوس وربطه بوسائل نقل مشتركة معه في المحطات؛ لنقل الركاب من وإلى المناطق ذات الكثافة السكانية العالية وتمثل مناطق جذب لمزيد من السكان، علاوة على إيجاد آليه لتعزيز مرونة ساعات العمل الرسمية للموظفين، وإيجاد بدائل تقنية لتوفير الخدمات للمراجعين؛ من أجل الحد من عدد الرحلات بين ولايات مدينة مسقط، فضلًا عن استحداث مراكز خدمية للمؤسسات الحكومية والخاصة في الأحياء السكنية ذات الكثافة العالية، وذلك على غرار ما قامت به شرطة عمان السلطانية من توفير أجهزة طباعة ملكية السيارات وشركات التأمين وشركات خدمات الكهرباء والمياه والاتصالات وغيرها، وأخيرًا إنشاء محور مروري بديل موازٍ لطريق مسقط السريع، على أن يُراعى عند التخطيط والتنفيذ ترك حرم كافٍ لأي توسعة مستقبلية، في إطار التخطيط طويل الأمد.

العمود الفقري

ويقول سعيد بن عبدالله العبري أحد مستخدمي طريق "مسقط السريع" إن الطريق يمثل العمود الفقري الذي يربط جميع المحافظات بالعاصمة مسقط، ومنذ فترة طويلة يُعاني هذا الطريق من الشلل في أوقات متعددة من اليوم، بسبب الازدحام الشديد والكثافة السكانية المتزايدة. وأضاف: "نُلاحظ أعداد هائلة من السيارت تتدافع مع كل مخرج، وتسبب بطء الحركة المرورية، وتضطر للوقوف لفترات طويلة في بعض المسارات، مما يُسبب المزيد من الاختناقات المرورية، والتي ربما تُفضي لحوادث التصادم. وأكد العبري أن تطبيق "الدوام المرن" لا يخدم الكل ولا يمثل الحل الشافي، كما هو الحال مع شاحنات النقل؛ حيث إن تخصيص أوقات محددة يتسبب في تأخير وصول السلع إلى وجهاتها، لا سيما تلك المرتبطة بالموانئ.

سعيد العبري.jfif
 

وذكر العبري أن حارات "مسقط السريع" المحدودة لا تستوعب أعداد السيارات؛ كون أن هذا الطريق يخدم شريحة كبيرة من قائدي المركبات، مطالبًا بإضافة حارات في كل مسار، وزيادة مواقف الطوارئ لما لها دور في تقليل الازدحام بسبب الحوادث أو تعطل المركبات على الطريق، علاوة على ضرورة استحداث مخارج للحد من الازدحام والوقوف المتكرر.

تعليق عبر الفيس بوك