تطبيقات "البلوك تشين" تقود ثورةً في التقنيات المالية.. وترسم مستقبل الثقة الرقمية

...
...
...
...

◄ طحان: البلوك تشين نظام لتسجيل المعاملات بشكل لامركزي

◄ استخدام "سلسلة الكتل" في قطاعات البنوك والتأمين والعقارات والصحة

سلسلة الكتل توفر بيئة آمنة وموثوقة للتبادلات الرقمية

◄ متوقع وصول القيمة التجارية لـ"سلسلة الكتل" إلى 3.1 تريليون دولار في 2030

مساعٍ دولية لوضع إطار قانوني يتبنى "سلسلة الكتل"

الرؤية- سارة العبرية

فجرت تقنيات سلسلة الكتل (Blockchain) ثورة في عالم التكنولوجيا والمعاملات الرقمية، فعلى الرغم من ظهورها الأول عام 1991، بهدف منع التلاعب في الطوابع الزمنية، إلا أنها وفي غضون 7 سنوات حينذاك، وتحديدًا في عام 1998 استُخدمت هذه التقنيات لأول مرة في نظام المدفوعات الرقمية، لكنها أخذت في التطور المتسارع لتشمل تطبيقات واسعة النطاق في مختلف القطاعات.

وفي سلطنة عُمان، ظهر أول وسيط محلي للعملات المشفرة باسم "easy coins" في شهر يونيو عام 2021 وهي شركة خاصة لديها مدفوعات عبر الإنترنت وعملات مشفرة مستقرة.

ويقول الدكتور خالد بن محمد طحان خبير في مجال البلوك تشين ومؤسس شريك في منصة "easy coins"، إن البلوك تشين تعد نظامًا لتسجيل المعاملات والبيانات يعتمد على الشفافية والأمان؛ إذ تعمل بشكل لامركزي وتتم مشاركة قاعدة البيانات بين مجموعة من المشاركين دون وجود سلطة مركزية تتحكم فيها، ويتم تسجيل المعاملات في كتل، وترتبط الكتل ببعضها البعض بواسطة وظيفة الهاش (Hash)، وبالتالي تشكل سلسلة من الكتل المتسلسلة، مضيفا أنها تطبيقات آمنة إلى حد كبير بفضل استخدام تقنيات التشفير المعقدة باعتبارها توفر الأمان والشفافية من خلال توثيق المعاملات وتأمينها ضد التلاعب أو التغيير غير المصرح به، وأنه بفضل هذه الخصائص تستخدم سلسلة الكتل في مجموعة متنوعة من المجالات بما في ذلك البنوك والتأمين وإدارة سلسلة التوريد والعقارات والصحة وغيرها.

وبيّن أنBlockchain  ستجبر البنوك على تقديم خدمات مالية متقدمة كما أن البنوك التقليدية سوف تتلاشى تدريجيا، مضيفا: "ويمكن قول الشيء نفسه عن وزارات الإسكان؛ حيث يثق الناس حاليًا في وزارة الإسكان في القيام بتسجيل ملكيات الأراضي، لكن مع الوقت سيتم الوثوق في تبادل الملكية على blockchain ؛ ولذلك على الوزارة أن تقوم بتحسين خدماتها وتطوير ورفع كفاءة تسجيلات المعاملات ونقلها إلى blockchain   أما فيما يتعلق بالرعاية الصحية فيمكن استخدام blockchain كمصدر لمصادقة المستندات الرسمية مثل التقارير الطبية لضمان عدم تعديلها بشكل غير قانوني.

ويشير طحان إلى أن هناك أنواعا من العملات عبر هذا النظام تختلف على حسب حالة الاستخدام للعملات المشفرة، فمثلا Bitcoin  هي العملة الأكثر انتشارا فيما يخص العقود الذكية، أما Ethereum  فهي الأكثر شيوعًا بين العملات الرقمية، موضحا: "دور عملية التعدين في البلوك تشين عبارة عن طريقة لتحديد السجلات الجديدة التي يجب إضافتها للأرشفة على blockchain  لفترة زمنية معينة، ويحدث هذا بشكل عشوائي ويتم تحقيقه عن طريق حل مشكلة رياضية معقدة، بعد ذلك يتلقى المُعدِّن الذي يحل المشكلة الرياضية مكافأة مقابل القيام بذلك في العملة المشفرة الأصلية، ثم تتم مشاركة نسختهم من السجلات مع أجهزة الكمبيوتر اللامركزية الأخرى، واستخدامها كسجل صحيح وصادق للمعاملات لتلك الفترة الزمنية من قبل جميع أجهزة الكمبيوتر".

ويؤكد: "يجب ملاحظة أنه على الرغم من فوائد سلسلة الكتل قد تواجه تحديات تطبيقها في بعض الصناعات، مثل التنظيمات القانونية والمشاكل التقنية، كما يجب أيضًا اعتبار الاحتياجات والقيود الخاصة بكل مجال عند تصميم وتنفيذ استخدام سلسلة الكتل".

اللامركزية هي العنوان

اللامركزية في سلسلة الكتل تعزز الأمان والشفافية؛ حيث إنه لا يمكن لأي جهة واحدة أن تتحكم بالنظام بمفردها أو أن تقوم بتغييرات غير مشروعة في البيانات، وبالتالي توفر سلسلة الكتل اللامركزية بيئة آمنة وموثوقة للتبادلات والمعاملات الرقمية دون الحاجة إلى طرف وسيط مركزي.

وفي سياق تكنولوجيا البلوكشين، فإن اللامركزية تشير إلى نظام يعمل بدون جهة مركزية واحدة للتحكم أو السيطرة، أي أن البيانات المخزنة والمعاملات المنفذة تكون موزعة عبر شبكة من العقد (Nodes) بدلاً من أن تتم تخزينها أو تسيطر عليها من قبل جهة مركزية مثل الحكومة أو البنك المركزي.

ويقوم المشاركون في الشبكة بالتوافق على حالة السلسلة والمعاملات المنفذة، وتُحفظ نسخة من السلسلة الكتلية في كل عقد، وعندما يتم إضافة كتلة جديدة إلى السلسلة، يجب أن يتم قبولها والتوافق عليها من قبل المشاركين، مما يجعل النظام مقاومًا للتلاعب والاحتيال.

كيفية عملها

يتم عمل سلسلة الكتل بتكامل أدوار ثلاثة عناصر وهي المفاتيح المشفرة، وشبكة الند للند (P2P) والسجل الرقمي، ولتوضيح كيفية عمل هذه العناصر يجب أن معرفة أن كل عقدة تحتوي على مفتاحين مشفرين أحدهما عام والثاني خاص، ومن خلال هذين المفتاحين يكون لكل عقدة توقيع رقمي خاص بها، كما أن كل عمليات التحويل المنفذة توقّع رقميا من خلال المصادقة عليها عبر شبكة الند للند من قبل عدة عقد، وبعد المصادقة على هذه العملية يتم تخزينها في السجل الرقمي.

ويحتفظ السجل الرقمي بتاريخ كافة عمليات التحويل كما يتيح للجميع الاطلاع عليها، والأمر المميز أن السجل لا يعطي القدرة لتعديل المعلومات المخزنة أو تخريبها لأي جهة تستعرضها، كما أن السجل الرقمي هو كافة "العقد" المتصلة مع بعضها عن طريق الشبكة، وتخزن فيها معلومات التداولات التي تجري بين الأفراد وتحفظ بأمان.

استخدامات سلسلة الكتل

تستخدم سلسلة الكتل في البنوك والتأمين وتسجيل المعاملات المالية بشكل آمن وشفاف، مما يعزز الثقة بين الأطراف المعنية، وتبسيط عملية التحويلات المالية وتقليل التكاليف والوقت المستغرق للتحويلات الدولية، وكذلك تحسين عمليات التحقق والمصادقة الهوية للعملاء والمستخدمين، كذلك إدارة سلسلة التوريد تتبع المنتجات عبر سلسلة التوريد بشكل دقيق، مما يسمح بتحقيق الشفافية ومكافحة التزوير، وتوثيق المعلومات الخاصة بالمنتجات مثل المنشأ والجودة والتواريخ الهامة، وتسهيل التعاون بين الجهات المشاركة في سلسلة التوريد وتبادل المعلومات بشكل آمن وموثوق.

ومن ضمن استخدمات هذا النظام أيضًا في مجال العقارات وذلك عن طريق توثيق ملكية العقارات وتسجيل العقود بشكل آمن ومؤكد، مما يقلل من الاحتيال والنزاعات، وتسهيل التحقق من سجلات الملكية وتاريخ العقارات وتاريخ الصيانة، وأيضا تبسيط وتسريع عمليات التحويل والتسجيل للعقارات.

كما امتد استخدام "سلسلة الكتل" إلى مجال السفر في عدة نواحٍ مهمة، أولها تتبع الأمتعة، وذلك خلال الرحلات المتتالية إلى نفس الوجهة حرصا على عدم ضياع أو اختلاط الأمتعة، كما تستخدم "سلسلة الكتل" في التعرف على الركاب المسافرين لتوفير الوقت والمجهود البشري في تلك العملية، إضافة إلى الأمن الرقمي باستخدام الشركات الكبرى؛ حيث تتيح هذه التقنية الاحتفاظ بالمعلومات الحساسة والمهمة بأمان دون الخوف من ضياعها أو تعرضها للتخريب، وذلك بالاستفادة من مزايا الأمان والموثوقية التي تعتبر من طبيعة تقنية سلسلة الكتل، كما يمكن الاستغناء عن استخدام كلمات المرور وذلك لحماية المستخدمين من التعرض للاختراق عن طريقها.

فرص تبني تقنية سلسلة الكتل

وتساهم قدرة سلسلة الكتل على زيادة الشفافية ومواجهة حالات الاحتيال وتعزيز الخصوصية في إبراز الفرص المحتملة عبر مختلف القطاعات، كما تدل الحاجة إلى الشمول المالي في الاقتصادات المتقدمة والنامية، والتبني الكبير للرموز غير القابلة للاستبدال من قبل مطوري المحتوى، والاهتمام المتزايد بالعملات المشفرة، وإدارة الطاقة المتجددة إلى التوجّه نحو معدلات أعلى من اعتماد تقنية سلسلة الكتل.
وتمتلك تقنية سلسلة الكتل إمكانية إحداث أثر إيجابي على الأعمال والمجتمع والاقتصاد والبيئة، ممّا قد يؤدي إلى زيادة اعتمادها.

ويتوقّع المنتدى الاقتصادي العالمي (WEF) ارتفاعا في حجم التجارة التي قد تصل إلى 1 تريليون دولار أمريكي مع اعتماد تقنية سلسلة الكتل والتقنيات ذات الصلة، إذ ينص  المنتدى الاقتصادي العالمي أيضًا على الحاجة إلى إزالة الحواجز التي تحول دون اعتماد التقنية، بالإضافة إلى تبسيط العمليات التجارية لزيادة حجم التجارة.

وفقًا لدراسات Gartner، ستبلغ القيمة التجارية الناتجة عن سلسلة الكتل حوالي 176 مليار دولار بحلول عام 2025، و3.1 تريليون دولار أمريكي بحلول عام 2030، كما ستخلق تقنية سلسلة الكتل فرصًا جديدة للجهات المعنية في السوق.

المزايا والعيوب

ومن الميزات الرئيسية لسلسلة الكتل مستوى الأمان العالي الذي توفره، وهذا يعني أنه يمكنها حماية وتأمين البيانات الحساسة والمعاملات عبر الإنترنت، بالإضافة إلى أنها مناسبة لكل شخص يبحث عن معاملات سريعة ومريحة، لأن المعاملات لا تستغرق سوى بضع دقائق فقط حتى تتم بينما تستغرق الطرق الأخرى عدة أيام لإكمالها، كما لا يوجد تدخل من طرف ثالث لإنجاز المعاملات كالبنوك مثلاً أو المؤسسات المالية والمنظمات الحكومية، وهذا ما ينظر له العديد من المستخدمين على أنه ميزة حقيقية.

ويستخدم التشفير -المبنية عليه سلسلة الكتل- نوعين من مفاتيح التشفير عام وخاص، وإذا فقد المستخدم مفتاحه الخاص فقد وقع في ورطة كبيرة يصعب الخروج منها، وهذا أحد عيوب سلسلة الكتل، بالإضافة لمشكلة أخرى هي قيود التوسع؛ حيث إن عدد المعاملات يكون محدودا، وهكذا قد يستغرق الأمر عدة ساعات لإنهاء معاملات متعددة ومهام أخرى متتالية، وقد يكون من الصعب تغيير أو إضافة معلومات بعد تسجيلها.

ولعل أخطر العيوب في سلسلة الكتل هو استخدامها في أنشطة غير مشروعة؛ حيث يتم الاعتماد عليها بشكل أساسي في الإنترنت المظلم والإنترنت العميق مما يسبب مخاطر غير مرغوب بها.

مستقبل سلسلة الكتل

ويقول الدكتور خالد  طحان إنَّ التحديات التي تواجهها سلسلة الكتل في الوقت الحالي ضغط الوسطاء التقليديين والتحيز ضدها، لأن سلسلة الكتل لديها إمكانات كبيرة وتطبيقات متعددة في البيئة الرقمية الحالية، ومع ذلك فإنَّ تبنيها على نطاق واسع وتغلبها على التحديات التقنية لا يعتمد فقط على القدرات التكنولوجية وحدها؛ بل يتأثر أيضًا بعوامل أخرى مثل الاعتراف القانوني والتبني الصناعي والقدرة على تحقيق التوافق والتعاون بين الأطراف المعنية. وضيف: "على سبيل المثال: تقنية سلسلة الكتل معروفة بأنها قد تواجه مشاكل فيما يتعلق بقدرتها على معالجة عدد كبير من المعاملات بشكل فعال في وقت واحد، وتوجد أيضًا تحديات في توحيد المعايير بين المنصات المختلفة وضمان التوافق بينها، ومع ذلك، فإن هناك تقدمًا مستمرًا في حل تلك التحديات التقنية".

وتعمل الشركات والمؤسسات التكنولوجية والمجتمعات الأكاديمية على تطوير تقنيات وحلول جديدة لتعزيز كفاءة سلسلة الكتل وتحسينها، بالإضافة إلى ذلك، يتم التعاون بين الجهات المعنية بما في ذلك الحكومات والمنظمات الدولية، لوضع إطار قانوني وتنظيمي مناسب لتبني سلسلة الكتل.

ومن المرجح أن تشهد سلسلة الكتل تطورًا مستمرًا وتبنيًا أوسع في المستقبل، وقد تظهر تطبيقاتها في العديد من الصناعات والقطاعات، مع العمل على حل المشاكل الحالية وتحقيق التوافق بين الأطراف المعنية، ومع مرور الوقت، يمكن أن تصبح سلسلة الكتل جزءًا معترفًا به ومعتمدًا على نطاق واسع في البيئة الرقمية.

تعليق عبر الفيس بوك