من لا يتقدم يتقادم!

 

إبراهيم الريامي

الحياة تسير بخطى سريعة، والعالم في تطور دائم ومستمر، ولا يوجد شي اسمه المحافظة على الوضع الراهن، فإمَّا أن تتقدم وإمَّا أن تتأخر؛ بمعنى آخر لا يكفي أن نسعى للمحافظة على وضعنا الحالي في أعمالنا وفي حياتنا، وبشكل عام لدينا خياران لا ثالث لهما؛ وهو إمَّا أن نتقدم خطوة للأمام، وإن لم نستطع فمعنى ذلك أننا نخطو خطوة إلى الخلف، كذلك لا يوجد شيء لا يمكن تطويره للأفضل.

شركات عملاقة مثل نوكيا، وبلاك بيري، وزيروكس تهاوت وسقطت؛ لأنها لم تُؤمن بثقافة التغيير؛ لأنَّ عملية التطوير والتحديث عملية ديناميكية مستمرة قائمة لا يمكن أن تتوقف.

سنة الحياة هي التغيير والتطوير لما هو أفضل، ومن يخالف ذلك فإنِّه يخالف سنن الله الكونية التي خلق عليها هذه الأرض "ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام" . وحده- عز وجل- الصمد الذي لا يتغير. انظر إلى أبسط الأشياء كبيتك مثلًا، فإن لم تقم بعد فترة مُعينة بتجديد ما فيه من أثاث وطلاء، فإنه سوف يخلق لك وضعًا غير مريح، وإذا عملت على تجديده أدخل في نفسك السعادة والابتهاج.

يقول الشاعر:

إني رأيت وقوف الماء يفسده // إن سال طاب وإن لم يجرِ لم يطبِ

كنت قبل سنوات أتابع النهضة التي تشهدها الهند على مختلف المستويات والأصعدة، ولفت انتباهي الاستخدام المستمر لكلمة "Reforms" وهي تعني بالعربية الإصلاح أو التجديد، وكم هو ممتع ومشجع أن تدرك أي دولة أن هناك أنظمة وقوانين وإجراءات بحاجة إلى تطوير بصورة دائمة ومستمرة للتكيف مع العالم المتجدد والمتغير الذي لن يتوقف عن الارتقاء والتقدم، ويجب أن ينظر إلى الموضوع ليس من زاوية نقد الذات وإلقاء اللوم؛ بل من زاوية أن رحلة التطوير والتجديد رحلة دائمة ومستمرة وجميلة، ويحب الاستمتاع بها.

الكثير من التحديات يعني الكثير من فرص العمل، لكن قبل بدء رحلة التغيير والتطوير، لا بُد من تحديد نقاط الضعف، وهنا يكمن لُب المشكلة، فلا يمكن أن ينطلق الإنسان نحو التغيير والتطوير ما لم يكتشف أن هناك جوانب حقيقية بحاجة إلى هذا التطوير. الإنسان لن يستطيع أن يطور من نفسه إن لم يكتشف نقاط ضعفه أولا، وكذلك الدول لن تستطيع أن تخطو خطوة للأمام ما لم تتمكن من تحديد نقاط ضعفها في البداية بكل شفافية ووضوح. هذا الأمر ليس سهلا لأن الإنسان لا يستطيع أن يقف على نقاط ضعفه، بينما يستطيع أن يراها الآخرون، فإذا حددت المشكلة فإنه يمكنك تحديد الحل، فالتشخيص كما يقال نصف العلاج.

قبل عشر سنوات تقريبًا كنتُ في زيارة لعدد من الدول الآسيوية ضمن وفد من إحدى الكليات الدراسية البريطانية في مجال القيادة العليا، وأتيحت لنا فرصة الالتقاء بأحد المسؤولين في مكتب رئيس الوزراء الماليزي الذي تحدث إلينا عن خطط بلاده التي ما تزال متخلفة مقارنة بدول أخرى مثل سنغافورة، وكوريا الجنوبية، واليابان. وأظهر المتحدث موقع بلاده  المتأخر بالأرقام مقارنة مع هذه الدول، مشيرًا إلى أنّ الهدف هو الوصول إلى مستويات هذه الدول. لقد ذُهلت لما سمعت؛ لأننا تعودنا أن يتحدث المسؤولون عن إنجازات بلادهم، لكن أن تتحدث عن نقاط ضعفك أمام ضيوف من الخارج فهذا يُعد أمرًا غير معتاد، لكنه في ذات الوقت يُعبر عن ثقة واعتداد بالنفس، وهنا أدركت أن الدول التي تستطيع أن تحدد نقاط ضعفها وتصرح بها أمام الآخرين هي دول قوية وفي طريقها للنهوض والتطور.

على المستوى الشخصي، أعتقدُ أنّ على الإنسان أن يحدد نقاط الضعف لديه، ويضع برامج لتطوير ذاته. وعلى مستوى الدولة إذا استطاع أي بلد أن يحدد نقاط ضعفه، فإن ذلك بداية الوقوف على الطريق الصحيح والانطلاق نحو غدٍ مشرقٍ.

ومن هذا المنطلق.. ما نقطة البداية؟ والجواب أن يتم تحديد المجالات المراد تطويرها؛ كالمجالات العلمية، والاقتصادية، والتعليمية، والصحية، والرياضية… ثم يتم تحديد نقاط الضعف والتحديات في كل مجال من هذه المجالات، بعدها يتم وضع برامج المعالجة والارتقاء بهذه الجوانب، إضافة إلى إيجاد وحدة قياس لمتابعة التطور الذي تم إحرازه لسد هذه الثغرات.

لنأخذ موضوع جذب الاستثمارات الأجنبية- على سبيل المثال- ونسأل: ما أبرز التحديات والعراقيل التي تواجه هذا القطاع؟ هل يمكن تحديد أبرز 20 تحديًا أساسيًا يُعرقِل حركة  الاستثمار في البلاد؟ بعدها نبدأ في وضع برنامج وخارطة طريق واضحة لمعالجة كل تحدّ على حدة. ثم نضع وحدة قياس للتأكد من مدى التغلب على هذه التحديات والعراقيل. والأهم من ذلك أن يكون زمام قيادة التغيير لدى السلطة العليا مباشرةً ويكون التقدم والتطوير شغلها الشاغل، وذلك كي تتحقق عمليات التوجيه ومراقبة التنفيذ بشكل سريع ودقيق وبكفاءة عالية.

يجب أن لا ننظر إلى الصعوبات والتحديات التي نواجهها اليوم على أنها مشاكل أو معوقات؛ بل هي مزيد من الفرص للتطوير والعمل الجاد. ما أجمل أن تسود هذه الروح الإيجابية في جعل أكبر تحدياتنا أعظم فرصنا لمزيد العمل والجد والاجتهاد.

وخلاصة القول: لا يوجد شيء لا يمكن تغييره وتطويره للأفضل. وعندما لا نتقدم فإننا نتقادم، وعندما تتوقف عملية التحديث والتطوير تتوقف الحياة.

تعليق عبر الفيس بوك