محفزات ومعوقات الاستثمار (3)

 

أحمد بن سالم بن شامس الحجري

 

 

ثانيًا: العوامل السياسية المحفزة للاستثمار في سلطنة عُمان

 

نجد أنَّ البعض يصنف العوامل السياسية في المقام الأول لجذب الاستثمار ولا شك أن من الخطر السياسي وأهمه الأيدولوجيات والصراعات السياسية والصراع الديني والصراعات المسلحة والحقد والعداء للأجانب وتأميم المشاريع هي عوامل طاردة للاستثمار وليست جاذبة له.

وبحمد الله وفضله فإنَّ ما تعيشه سلطنة عُمان من رخاء سياسي واستقرار نظمها والتشريعات والقوانين ونظام الحكم بها وراثي وتعتبر الأسرة الحاكمة من الأسر العريقة في منطقة الشرق الأوسط وتحكم عُمان منذ 277 سنة وبالتالي لم تحدث أي صراعات دينية أو مذهبية أو عرقية والجميع متعايش بحب وإخاء وسلام.

وخلال ما يزيد عن 52 سنة من عمر نهضة عُمان لم تسجل أي حالة إرهاب في السلطنة ولم يصادر أو يؤمم أي مشروع اقتصادي بدون تعويض عادل أو تفرض قيود على التحويلات الأجنبية أو الإخلال في العقود أو الاتفاقيات المبرمة مع المستثمرين.

وبالتالي كل ذلك جعل من عُمان بيئة ذات مناخ استثماري خصب لجذب الاستثمارات لما تتمتع به من إدارة سياسة حكيمة قائمة على قاعدة صلبة لحل النزاعات وفضها بالطرق السلمية وعدم التدخل في شؤون الآخرين.

ثالثًا: العوامل القانونية والتنظيمية

من الأهمية سن التشريعات والقوانين واللوائح المنظمة للاستثمار والجاذبة له وأن تتسم بالوضوح والاستقرار والشفافية الضامنة لحقوق المستثمر من المخاطر السياسية في ظل نظام قضائي يعمل على تنفيذ تلك القوانين بكفاءة عالية وفي ظل وجود نظام إداري متكامل لإدارة الاستثمار ويتميز بسلاسة الإجراءات الإدارية ووضوحها لضمان عدم تفشي البيروقراطية.

أدركت سلطنة عُمان أهمية سن تلك التشريعات المحفزة للاستثمار منها قانون التجارة العُماني وقانون الشركات التجارية وقانون الوكالات التجارية وقانون السجل التجاري وقانون تنظيم مكاتب السمسرة العقارية وقانون تنظيم الصناعة وقانون الأحكام المنظمة للاستثمار الخليجي بالإضافة إلى نظام المؤسسة العامة للمناطق الصناعية الصادر وفق المرسوم السلطاني رقم 32/2015م ولوائحه المنظمة وأهمها لائحة الاستثمار بالمناطق الصناعية رقم 220/ 2017م.

وتوجت تلك التشريعات بصدور قانون استثمار رأس المال الأجنبي رقم 50/2019م والصادر بتاريخ 1يوليو 2014.

ومن خلال هذا القانون أصبح المستثمر الخارجي يحق له الاستثمار مباشرة في السلطنة وبدون شريك وضمن للمستثمر كافة حقوقه في الاستثمار وقدم له تسهيلات وتبسيط في إجراءات الاستثمار.

ومنح بعض المشاريع الاستثمارية الاستراتيجية العديد من التسهيلات والمميزات، كما منح المحاكم العُمانية صفة الاستعجال عند نظرها وإجازة التسوية في فض الخلافات والمنازعات عن طريق التحكيم.

وأكدت المادة 19 من قانون استثمار رأس المال الأجنبي رقم 50 / 219م بالتنسيق مع الجهات المختصة على توفير الخدمات العامة من المياه والكهرباء والغاز والصرف الصحي والطرق الصحي والطرق العامة والاتصالات وغيرها إلى حدود المشروع.

كما أفرد القانون فصلًا كاملًا بعنوان (ضمانات الاستثمار الأجنبي) منها:

1ـ عدم جواز مصادرة المشروع الاستثماري إلا بحكم قضائي.

2- عدم الحجز على أمواله أو التحفظ عليها أو تجميدها أو فرض الحراسة عليها.                                                                                        

3- عدم جواز نزع الملكية للمشروع الاستثماري إلا للمنفعة العامة.

4- عدم جواز إلغاء الموافقة أو الترخيص أو التصريح للمشروع الاستثماري إلا بقرار مسبب بعد إنذار المستثمر كتابيا بالمخالفة وسماع وجهة نظره وإعطائه مهلة خلال 30 يوما من تاريخ إنذاره لإزالة أسباب المخالفة.

5- حرية القيام بجميع التحويلات الخاصة بالمشروع الاستثماري.

6- أحقية المستثمر في نقل ملكية المشروع إلى مستثمر خارجي آخر.

الحوافز الضريبية المالية:

في ظل محدودية هذه الحوافز ولكن مع وجود العوامل المحفزة السابقة يظل لها تأثير في جذب الاستثمار. وتظل هذه الحوافز في وضوح النظام الضريبي وخفض نسبة الجمارك وتخصيص أراضي بأسعار منخفضة.

قدمت سلطنة عُمان حزمة من الحوافز الضريبية والمالية وفق التشريعات المحفزة للاستثمار وقدمت بعض الإعفاءات في إيجار الأراضي تصل إلى 3 سنوات وخفض رسوم الخدمات إلى النصف وهذه التسهيلات اتبعتها مدائن في المدن الصناعية التابعة لها.

سن تشريعات لحماية الملكية الفكرية:

إن إيلاء التشريعات القانونية والمعنية بحماية الملكية الفكرية وحماية الإبداع وحماية نقل التقنية وتوطينها وحماية المستهلك من الغش والتقليد التجاري الأهمية القصوى في إصدارها وتنظيمها لها الأثر الكبير في نفوس المستثمرين لحماية حقوقهم الفكرية والإبداعية وبالتالي تعتبر من الأسباب الجاذبة للاستثمار.

وأولت سلطنة عُمان حقوق الملكية الفكرية عناية خاصة وانضمت إلى المنظمة العالمية للملكية الفكرية "الوايبو"، وبالتالي تعتبر التشريعات في جانب حماية الإبداع والفكر التي أصدرتها السلطنة تعطي المستثمر مزيد من الأمان والطمأنينة في حماية فكره وإبداعه في هذا المجال.

إنشاء جهاز الاستثمار العُماني:

أدركت سلطنة عُمان أهمية الاستثمارات، فصدر المرسوم السلطاني رقم 61/2020 بإنشاء جهاز الاستثمار العُماني بهدف رفد الميزانية العامة بالإيرادات وإدارة أموال سلطنة عُمان وأصولها وتنميتها وتنفيذ سياسة الحكومة بالنهوض بالقطاعات الاقتصادية المستهدفة.

كما توجهت سلطنة عُمان إلى دمج 11 صندوقًا تقاعديًا بغية وفرة التدفقات المالية الكبيرة التي يمكن أن توجه إلى قطاعات رئيسية استراتيجية الأمر الذي يحقق الاستدامة المالية والتنوع الاقتصادي وبالتالي سوف تنخفض التكلفة وترتفع جودة الاستثمار.

وبالتالي وجود مثل هذه التوجه في إدارة أموال الدولة وتنميتها ووفرة السيولة المالية الداخلية تمنح المستثمر مزيداً من الرغبة في الاستثمار داخل سلطنة عُمان إضافة إلى أهمية أن تخصص مبالغ للاستثمار داخل السلطنة ما بنسبة لا تقل عن 60% من صندوق الاستثمار.

تعزيز الاتفاقيات والتعاون الاقتصادي الإقليمي:

إن تفعيل وتعزيز التعاون مع المنظمات والتكتلات الاقتصادية العالمية والإقليمية يحقق أهداف السياسة التجارية لسلطنة عُمان من خلال فتح المنافذ للصادرات العُمانية وجذب الاستثمارات الأجنبية.

وانضمام سلطنة عُمان إلى منظمة التجارة العالمية أسهم في تعزيز الاندماج في الاقتصاد الدولي والذي بموجبه التزمت بعدد من الالتزامات أهمها: تحرير تجارة السلع وتجارة الخدمات ومن خلال العضوية في عدد من التجمعات الإقليمية على مستوى مجلس التعاون لدول الخليج العربي وجامعة الدول العربية التزمت بهذه الاتفاقيات وانبثقت عنها تجمعات تمثلت في قيام الاتحاد الجمركي عام 2003 واتفاقية منطقة التجارة الحرة العربية الكبرى عام 2005 واتفاقية التجارة الحرة مع الولايات المتحدة الأمريكية التي بدأت حيز التنفيذ عام 2009، إضافة إلى اتفاقية التجارة الحرة التي وقعتها دول المجلس مع كل من سنغافورة ومجموعة دول الإفتاء التي تضم أربع دول أوروبية هي: سويسرا والنرويج وآيسلندا ولخشنتين، كل هذه الإجراءات التي تتخذ مع التكتلات الاقتصادية تعزز من رغبة الاستثمار في سلطنة عُمان والاستفادة من جميع هذه التسهيلات التي تستفيد سلطنة عُمان من هذه الاتفاقيات والمعاهدات الدولية.

** دراسة اقتصادية مطوّلة تنشرها "الرؤية" على حلقات

تعليق عبر الفيس بوك