د. مجاهد عبدالله لـ"الرؤية": عُمان نموذج فريد للتسامح.. وعلى الدول الاقتداء بالسلطنة في التعايش

◄الدولة تقوم بدور بارز في إيجاد نموذج فريد من التسامح في المجتمع

◄الإعلام يتميز بأنه تنموي ويتبنى الوسطية والاعتدال

◄التفاف العمانيين حول قيادتهم الرشيدة من عوامل قوتهم المجتمعية

◄ يجتمع العمانيون على "أخوة الوطن"، والخلفية المذهبية تجمع ولا تفرّق

◄ السياسات التعليمية مشتقة من النظام الأساسي للدولة والتقاليد العمانية تحترم ثقافة الآخر

الرؤية- ناصر أبو عون

يؤكد الدكتور مجاهد عبدالله، صاحب أحدث أطروحة عن "التسامح بين المذاهب في عُمان"، أن هناك العديد من العوامل التي ساهمت في ترسيخ مفاهيم التعددية والتوافق والتسامح بين أبناء عمان رغم اختلاف بعض المذاهب الدينية، ومن بينها الدور الذي تقوم به الدولة لجمع مواطنيها حول مفهوم الأخوة وحب الوطن، إضافة إلى التفافهم حول قائدهم جلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم- حفظه الله ورعاه- وما ترسخه المناهج الدراسية في نفوس الأجيال من قيم وطنية واجتماعية توحّد ولا تفرّق.

وفي حوار مع جريدة الرؤية، أشار إلى أن جميع مؤسسات الدولة تتعامل مع المواطنين من منطلق المساواة دون الالتفات إلى المذاهب الدينية، الأمر الذي يعزز اللحمة الوطنية بين أبناء هذا الوطن.

وإلى نص الحوار:

ما هي أشكال التعددية المذهبية وكيف تتجسد في عُمان؟

إن وجود تعددية مذهبية في السلطنة يعني وجود اختلاف بين المذاهب، وفي عمان اليوم ترى الإباضية والشيعة ومذاهب أربعة سنية أخرى يعيشون بانسجام وألفة فيما بينهم ويتعاقدون ويتزاورون، ويصلي كل منهم بجانب الآخر، كما يتزوج أصحاب كل مذهب من الآخر دون أية حساسية.

وكيف تقيّم اجتماع المذاهب في عمان، وما العوامل التي شكّلت هذه الصورة؟

لابد أن نفهم أن هذه المذاهب الثلاثة المتواجدة في سلطنة عمان لها مصادر أساسية متفق عليها، فجميعها مصادرها من القرآن، وهناك عدة عوامل أدت إلى تشكل هذه الصورة، ومنها دور الدولة القوي الراسخ إضافة إلى البنية العرقية والنظام التعليمي والإعلام ودوره، وكذلك الدور الذي تقوم وزارة الأوقاف، إضافة إلى الفتوى وآثارها.

ولذلك لم تشهد عمان منذ 1400 سنة أي حرب مذهبية أو اضطرابات مشابهة، ولم يحدث وأن حُرِقَ كتاب مذهب من المذاهب، كما لم ينكر أحد وجود المذاهب الأخرى.

وهل قام الإعلام العماني بدور بارز في تشكيل صورة التسامح؟

الإعلام بصورته الواسعة وشكله المتباين قد يكون عامل بناء أو معول هدم، لاسيما مع انتشار القنوات الفضائية والبرامج المسموعة والمرئية، وعمان بدأت مسيرتها الإعلامية مع مسيرة النهضة العمانية، وتمثل ذلك في الإذاعة العامة وإذاعة القرآن الكريم، وكذلك الموسيقى الكلاسيكية، إضافة إلى القنوات التلفزيونية وقناة الاستقامة الفضائية، ويتميز الإعلام العماني بأنه إعلام تنموّي، وذلك من خلال ما يقدمه من برامج هادفة، كما أنه يتبنى الوسطية والاعتدال من خلال البرامج التي تنشر قيم التسامح والوسطية والتعايش، وهو أيضا بعيد عن المحاصصة والمخاصمة المذهبية، فقد تولّى حقيبة الإعلام عدة وزراء من مذاهب شتّى، وهو لايعتمد نظام المحاصصة المذهبية في المشاركة البرامجية.

ومن ينظر إلى المحاضرين والمشاركين في معظم برامج الإذاعة والتلفاز يجد أن هذه الشخصيات تمثل مراجع فكرية وفقهية تتوشح بالوسطية والتسامح، وهذا النوع من النهج الإعلامي يغرس بذور التعايش ويرويها بماء التفاهم ويرعاها بيد التآلف ويخلع عنها غريب الفكر.

وكيف تنظر إلى دور التعليم في هذا الأمر؟

لا يقوم التعليم في عمان أو المناهج الدراسية على أساس مذهبي، بل على أسس المبادئ الإسلامية، كما أنه لم يمنح الأولوية لأي مذهب أو تهميشه، فالعمانيون ابتعدوا عن المذهبية في التعليم، وطبقوا هذا بشكل فعلي وفكري، واتخذوا لأنفسهم مناهج دراسية خاصة تتناسب مع الإسلام ومع النظام الأساسي للدولة ثم العادات والتقاليد والثقافات الخاصة بالبلد.

التعايش السلمي حالة تفردت بها عمان عن باقي الدول، ما السبب؟

الصحيح ألا نسأل لماذا تفردت عمان بالتسامح وتميزت عن غيرها من الدول، بل السؤال الصحيح هو لماذا لا تقتدي الدول بعمان في هذا الجانب، والذي يميز العمانيون هو اجتماعهم على حب الوطن وليس الخلفية المذهبية، وهذا هو الشيء الوحيد الذي يصهر العمانيين في بوتقة واحدة، وعمان على طول خط تاريخها القديم لم تتبع شرقا وغربا، وفي عصرها الحديث لم تسمح أن تتدخل بشؤون أحد الداخلية، كما لم تسمح للآخرين بالتدخل في شؤونها، وتغلف ذلك كله بالاحترام المتبادل فضلا عن احترام سيادة القانون، أضف إلى ذلك أن العمانيين مرتبطون ببعضهم البعض حقيقة، فإنك لا تجد حتى عمانيا واحدا ينتمي لتنظيم داعش أو القاعدة.

كيف ينظر الخطاب الديني الرسمي في عمان للفروق المذهبية؟

المذهب في سلطنة عمان ليس الأمر الذي يعرّف الأفراد به أنفسهم، ووزارة الأوقاف والشؤون الدينية هي المسؤولية عن كل أنواع الأمور الدينية، وهي لا تقحم أي مذهب أن يكون له سلطة المؤسسات الرسمية، بمعنى أن يكون له جماعة خاصة به وتنجرّ الحشود خلفه.

إننا إذا تحدثنا اليوم عن انسجام في بيئة العيش المشترك بين المذاهب الإسلامية في عمان، سنجد أن من أهم الأسباب وأكبرها هو النشاط الرسمي الديني والثقافي الذي تقوم به وزارة الأوقاف، حيث تقوم الوزارة بأنشطة وفعاليات هامة وذلك كتنظيم الندوات والمؤتمرات العالمية والإقليمية للتقارب والتفاهم بين الثقافات، كمعرض السلام الذي يجوب أرجاء العالم، وكذلك ندوة تطور العلوم الفقهية والتي يشارك فيها علماء مسلمون من كل أنحاء العالم بمذاهبهم المتعددة، بل إنك إذا نظرت هنا للداخل العماني ستجد أن عمان لم تقم أماكن عبادة خاصة للمذاهب الإسلامية، ولا يتم تصنيف المسجد مذهبيا، بل يصلي المسلمون من جميع المذاهب في المساجد نفسها.

أعطنا أمثلة عن التوافق والتسامح في المجتمع العماني

في عمان كل مذهب من المذاهب له الحرية في ممارسة عباداته وشعائر مذهبه وفق معتقداته الخاصة والدولة تحمى ذلك، وذلك مثل احتفال الشيعة بأيام المآتم الخاصة بكل حرية وأريحية، وتنظيم الحسينيات بشكل مرخص ومأذون، وكذلك احتفالات عاشوراء وغيرها، وليلة الإسراء والمعراج لأهل السنة.

وعلاوة على ذلك ففي موضوع التوظيف لا يوجد فيها تمييز، فالوزراء والأساتذة والوكلاء يمكن لأي منهم من أي مذهب كان أن يتم توظيفه في المكان الذي يرغب فيه، هذا هو الجو الاجتماعي في عمان، لاتتم مناقشة الأمور المذهبية، ولا تكون محل جدال بين الناس لأنه لا داعي لها، واالتربية العمانية قائمة على الود والوئام وحب العيش في هدوء وسلام، فالهوية العمانية هي التي توحد الجميع وليست الهوية المذهبية.

وكيف يمكن الحفاظ على حالة التعايش القائمة الآن؟

أنا أعوّل على وحدة العمانيين وترابطهم والتفافهم حول قيادتهم الرشيدة والحكيمة، ووقوفهم صفا واحدا في مواجهة تيارات الفرقة والمذهبية وتقسيم الشعوب على أساس حزبي ومذهبي، كما أن الخطة الرشيدة التي وضعتها عمان في "رؤية عمان 2040" ستعمل على تحسين أوضاع المواطنين مما يضفي مزيدا من الاستقرار السياسي والاجتماعي، وذلك من خلال التخلي عن الاعتماد على النفط كمصدر دخل أساسي وقيام مشاريع اقتصادية كبرى ذات مردود عالي، وامتلاك عمالة مدربة وقوية والقضاء على البطالة، وكل ذلك من الأمور التي تضمن الاستقرار الاجتماعي في عمان.

تعليق عبر الفيس بوك