ظروف العمل المجهدة تزيد من الاضطرابات النفسية.. والأعمال الدرامية تنشر صورة مغلوطة عن الطب النفسي

الرؤية- ريم الحامدية

قال الدكتور خالد بن سالم الريسي طبيب مقيم في برنامج الصحة النفسية والطب السلوكي، إن الصحة النفسية تعد عاملًا مهمًا للمجتمعات لأنها تساعد في تحقيق الفعالية التنظيمية وتحسين العلاقات الاجتماعية وتعزيز الثقة بالنفس والآخرين.

وأكد- في حوار لـ"الرؤية"- أن هناك بعض العوامل والأعراض التي تشير إلى ضرورة مراجعة الطبيب النفسي لأن بعض الأعراض قد تكون حادة وتفقد الشخص رغبته في الحياة.

وإلى نص الحوار:

ما هي أهمية الصحة النفسية للأفراد والمجتمعات؟

الصحة النفسية تعتبر من العوامل المهمة التي تؤثر على سلوك الفرد بشكل مباشر، وتحدد قدرته على التكيف مع الحياة من حوله، وتساهم بشكل أساسي في نجاح أهدافه الشخصية والاجتماعية والاقتصادية، مما يساهم بشكل كبير في رفع مستوى الإنتاجية وينعكس بشكل مباشر على المجتمع، كما تساهم الصحة النفسية في التقليل من الاضطرابات العاطفية الهدامة والأفكار السلبية التي تؤثر على القدرة على التنظيم والتكيف مع المتغيرات الحياتية، ويساعد ذلك في تعزيز الأمن النفسي وليونة السلوك والحفاظ على جودة الحياة.

د. خالد الريسي.jpg
 

وتعد الصحة النفسية عاملًا مهمًا للمجتمعات حيث تساعد على تحقيق الفعالية التنظيمية وتحسين العلاقات الاجتماعية وتعزيز الثقة بالنفس والآخرين، كما تزيد من قدرة المجتمعات على التكيف مع المتغيرات الخارجية مما يساعد على زيادة الإنتاجية والنمو في مختلف النواحي الاقتصادية والاجتماعية والسياسية.

هل يختلف المرض النفسي عن اضطرابات الشخصية؟

الاضطراب النفسي أو المرض النفسي يشير إلى مجموعة من الأعراض المحددة التي يعاني منها الإنسان والتي قد تستمر لمدة زمنية معينة، مثل اضطراب القلق العام أو الاكتئاب، وتتسبب هذه الأعراض في خلل واضح في حياة الإنسان وطريقة تفاعله مع الآخرين، بعد أن كان يمارس حياته بشكل طبيعي.

أما اضطرابات الشخصية فهي تشير إلى نمط دائم للسلوك والتفكير والتفاعل مع الآخرين، وتظهر علاماته منذ الطفولة وتتبلور بشكل واضح في فترة المراهقة، وقد تتسبب اضطرابات الشخصية في صعوبة التعامل مع الآخرين والحفاظ على علاقات صحية، ويمكن أن يؤدي إلى تكرار نمط سلوكي غير صحي ومؤذ للفرد أو من حوله.

ولذلك فإن اضطرابات الشخصية تستغرق وقتًا أطول للعلاج، والشخص المصاب باضطراب الشخصية حين يذهب إلى الطبيب النفسي لا يكون ذلك لعلاج اضطراب الشخصية ولكن للخروج من دوامة الأمراض النفسية الأخرى، والتي قد يعاني منها بسبب نمط سلوكه الذي يمارسه في محيطه والذي غالباً ما يكون مرفوضا من الناحية الاجتماعية.                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                           

متى يجب على الشخص زيارة طبيب نفسي؟

قد يكون من الطبيعي أن يشعر الإنسان بتقلبات في المزاج أو صعوبة في النوم أو فقدان للشهية نتيجة لظروف الحياة اليومية، ولكن هناك بعض العوامل  التي قد تعني الحاجة إلى اللجوء إلى الطبيب النفسي، مثل شدة الأعراض ومدتها واستمراريتها، فبعض الاضطرابات النفسية قد يتم تشخيصها بعد أسبوعين أو شهر أو 6 أشهر من بداية الأعراض حسب نوع الاضطراب، كما أن تأثير هذه الأعراض على حياة الفرد وعلاقته مع الآخرين في محيط العمل أو الأسرة من أهم العوامل التي قد تعني أهمية اللجوء اإلى الطبيب النفسي.

كما أن بعض الأمراض النفسية قد تكون حادة وتنشأ بسرعة كبيرة بحيث تفقد الشخص رغبته في الحياة أو تفقده إحساسه بالواقع المحيط به، وهنا تكمن أهمية الأفراد من حوله سواء من أسرته أو مجتمعه لرعايته والتأكد من حصوله على العناية النفسية اللازمة.

وبشكل عام الاضطراب النفسي لا يتم تشخيصه إلا بوجود مجموعة معينة من الأعراض والتي قد تتطلب الاستمرار لفترة زمنية مُعينة وتكون مؤثرة بشكل كبير على حياة الشخص ومن حوله، لذلك فالمصاب بالاضطراب النفسي يحتاج لاستشارة الطبيب النفسي لضمان سلامته والحفاظ على جودة حياته.

بعض الثقافات الشعبية ترى أن المرض النفسي ناتج عن أمور غيبية.. كيف ترى ذلك؟

الاعتقاد بأنَّ الأمراض النفسية ناتجة عن أسباب غيبية أو ما ورائية هي فكرة قديمة جدًا نشأت نتيجة صعوبة تفسير الأمراض النفسية أو العقلية تحديدا، والمشكلة في هذا التفسير هو أنَّ المريض قد يستمر في البحث عن العلاج الشعبي أو الروحي لفترة من الزمن، في حين أن بعض الأمراض النفسية تتطلب تدخلا سريعاً مثل حالات الذهان الحادة أو اضطرابات ثنائي القطب، وقد يؤدي تأخير الوصول للطب النفسي إلى التأثير على سلامة الشخص وسلامة من حوله، كما أن الحصول على العلاج الطبي بشكل أسرع قد يعني القدرة على الحفاظ على إنتاجية الشخص وحياته اليومية كما يحافظ على صحته النفسية مستقبلاً.

هل تؤثر المخدرات على الصحة العقلية للمتعاطين؟

المخدرات تؤثر بشكل كبير على الصحة العقلية للمتعاطين وعلى حياتهم الشخصية والعائلية وتؤثر على المجتمع أيضًا، فالمواد المخدرة تتسبب في تغييرات كيميائية على مستوى الدماغ وتتسبب في اضطرابات مزاجية وسلوكية مثل زيادة مستوى القلق والتوتر، وتأثر بشكل مباشر على سلوك المدمن فيصبح أقل قدرة على التحكم بانفعالاته، كما أن الإدمان يؤدي إلى انسحاب الشخص من مجتمعه وزيادة مستوى العنف والعدوانية تجاه الآخرين، وعدم القدرة على النوم والاضطرابات الذهنية الحادة والشك في الآخرين، وقد ينتج أيضًا عن تعاطي المخدرات الإصابة بأمراض نفسية مزمنة واضطرابات عقلية تتطلب العلاج مدى الحياة.

وما هي الخطوات المتبعة لعلاج الإدمان؟

علاج الإدمان يختلف باختلاف المادة التي يتعاطاها المدمن، ولكن بشكل عام علاج الإدمان يتكون من برامج معتمدة لسحب المواد السامة من الجسم تحت رعاية وملاحظة طبية، ثم يتم إدراج الشخص في برامج تأهيلية متنوعة تضمن عدم عودته للإدمان وابتعاده عن المسببات التي أدت إلى الإدمان في المقام الأول، مما يساعده على العودة كشخص منتج للمجتمع.

تحدثت الكثير من الأعمال الأدبية والفنية عن المرض النفسي، كيف ترى هذا التناول؟

الأعمال الأدبية والأفلام ساهمت على مدى عقود في نقل صورة مغلوطة وغير واقعية عن الطب النفسي، فعلى الرغم من حساسية الموضوع فإن المرض النفسي يعد مادة ثرية للأعمال التلفزيونية، مما شكل صورة غير صحيحة على مستوى المجتمع، فالشخص الذي يعاني من اضطراب نفسي تم تصويره على أنه مريض عقلي داخل مصحة عقلية مقيد اليدين، وإذا تم إطلاقه فإنه يتسبب بمشاكل خطيرة للمجتمع، بينما في الحقيقة تشير دراسة نشرتها منظمة الصحة العالمية سنة 2019 إلى أن 1 من كل 8 أشخاص حول العالم مصاب باضطراب نفسي، بإجمالي 980 مليون شخص حول العالم مصابين باضطرابات نفسية، فالمصاب بالاضطراب النفسي قد يكون زميلا في العمل أو صديقاً في المكان الذي نعيش فيه.

هل توجد علاقة مباشرة بين الضغوط الحياتية والمرض النفسي؟

من الصعب تحديد سبب واحد بعينه لازدياد حالات الاضطرابات النفسية، ولكن قد تكون زيادة الوعي بالأمراض النفسية سببا مباشرا  في زيادة اللجوء للطب النفسي مقارنةً بالسابق، حيث كانت الصورة النمطية تحول بين الأفراد واللجوء للطب النفسي.

أما عن سبب ازدياد الأمراض النفسية فالأسباب كثيرة يصعب حصرها في مقال، ولكن تشمل الأسباب عوامل اجتماعية وبيولوجية تؤدي إلى تكون الاضطرابات النفسية في مرحلة ما من حياة الشخص، وإن التغيرات السريعة على المستوى الاجتماعي والتكنولوجي تساهم أيضًا في زيادة الضغوط النفسية والاجتماعية والاقتصادية على الفرد،  كما أن ظروف العمل المجهدة والعوامل الوراثية واختلال عمل النواقل العصبية في الدماغ وأنماط الحياة غير الصحية كلها عوامل تساهم في زيادة الاضطرابات النفسية.

ما دور الصدمات العاطفية في التأثير على الصحة النفسية؟

يجب هنا التفريق بين الصدمات العاطفية واضطراب ما بعد الصدمة، فالصدمات العاطفية تمثل ضغوطات كما ذكرنا سابقا وقد تزيد من احتمالية الإصابة بالاضطرابات النفسية عند بعض الأشخاص، ويكون تقييمها لدى الطبيب النفسي في ضوء عدد من الأعراض النفسية الأخرى، والتي إن تواجدت فيتم الاتفاق على خطة علاجية سواء عن طريق الجلسات النفسية أو الأدوية أو كليهما.

أما اضطراب ما بعد الصدمة فهو اضطراب يحدث نتيجة حدث قد يسبب الموت أو الإصابة الشديدة، ويشكل تهديدا حقيقيا على حياة الإنسان، فيعاني المصاب بهذا الاضطراب من عدد من الأعراض منها الكوابيس واستعادة الحدث بشكل متكرر مع الإحساس بكامل تفاصيله مرارا وتكرارا، وقد يتجنب المصاب الأماكن أو الأشخاص التي تذكره بالحدث مع صعوبة في التركيز والتوتر والقلق الدائم بالإضافة لأعراض أخرى.

تعليق عبر الفيس بوك