الأزمة المالية في البنوك الغربية

 

سعود بن حمد الطائي

يبدو أنَّ العاصفة التي تُؤثر حاليًا على قطاع البنوك في الولايات المتحدة وسويسرا- التي كانت على مر السنين ملاذًا آمنًا لأموال العالم- قد أطاحت بنظرية "نهاية التاريخ والإنسان الأخير" لفوكوياما أو على الأقل ببعض منها.

فهذا الكتاب (النظرية) المثير للجدل الذي تعززت مصداقيته بعد انهيار جدار برلين وتفكك الاتحاد السوفييتي ودوله في أوروبا الشرقية، ما أدى إلى انتصار العالم الغربي الرأسمالي على أنقاض العالم الاشتراكي؛ إذ يُجادل فوكوياما بأن الإنسانية قد وجدت ذاتها أخيرًا في النظام الرأسمالي الليبرالي الغربي الذي أصبحت الولايات المتحدة سيدته الوحيدة بلا منازع، وأن الإنسانية قد وصلت أخيرًا إلى خط النهاية، وأنه ليس هناك من نظام آخر قادر على إزاحة  الرأسمالية ونظامها الليبرالي والرخاء الذي أحدثته لشعوبها وأوطانها! وها هي الدول التي انهارت اقتصادياتها الاشتراكية قد نفضت أياديها من النظام القديم  وأخذت في الانضمام الواحدة تلو الأخرى في النظام الرأسمالي المُنتشي بفوزه وسيادته على العالم. وبالرغم من أن جميع المؤشرات والأدلة والنتائج تُؤكد أن الحق كان في جانب فوكويوما، إلّا أن هناك أسبابًا أخرى كثيرة ساعدت بقوة على تسريع وتيرة انهيار المنظومة الاشتراكية؛ منها على سبيل المثال لا الحصر: الحرب الباردة وما أحدثته من نزيف هائل في ميزانيات الاتحاد السوفييتي والدول الدائرة في فلكه، وسباق التسلح المتمثل في برنامج "حرب النجوم" الذي أجبر روسيا على المضي قدمًا فيه، رغم تخلفها في برامج التنمية التي كانت شعوبها في أمسّ الحاجة إليها، وكان للنصر الذي أحدثه الغرب ثماره التي أينعت أخيرًا في الغرب الرأسمالي وغروب شمس الاتحاد السوفييتي. لكن هذا النصر الذي تحقق لا يبدو أنه قادر على السير منفرداً في عالم مضطرب لم يحسن إدارته، وقد سلمت معظم مفاتيحه إليه.

وبدلاً من نشر السلام وتحقيق الازدهار والرخاء لشعوب العالم، أوقدت الأطماع الغربية النار وأشعلت الاضطرابات وشنت الحروب المدمرة على أفغانستان والعراق بحجج واهية وذرائع مُلفقة، راح ضحيتها الملايين من الأبرياء والعزل من الأطفال والنساء وزهور يافعة من شباب العالم العربي والإسلامي، وما هي إلا سنين معدودة حتى استفاق مارد آخر، مارد جديد قادم من الشرق البعيد، لم يعتمد النظام الرأسمالي منهجًا ولا النظام الليبرالي طريقًا كما يجادل فوكوياما، وإنما اختطَّ لنفسه منهجًا آخر بعيدًا كل البعد عن نظرية نهاية التاريخ، وبدلًا من نهايته فتحت الأبواب على مصراعيها مؤذنة ببداية جديدة للتاريخ، مختلفة عن تلك التي جادل في تحقيقها فوكوياما.

فهل يرى العالم في تقدم الصين بدايةً أوشكت أن تُشرق شمسها وتسطع من جديد؟!