قصة حب بين إنسان وروبوت

مؤيد الزعبي **

هل يُعقل أن يحب إنسان روبوتًا أو تطبيقَ دردشة يعمل بالذكاء الاصطناعي؟! قد يبدو التساؤل غريبًا أو غير واقعي، لكن ماذا لو قت لك إن الأمر قد حدث فعلًا بعد أن قام بعض الأشخاص بالتعبير عن مشاعر الحب للمتحدثة الافتراضية الخاصة بتطبيق "Replika" والذي انتشر بشكل سريع خلال الفترة الماضية، إذا يحاكي هذا التطبيق "تشات جي بي تي ChatGPT".

لكن ما هو مختلف أن هناك شخصية تُجيد المحادثة، وتجلس أمامك افتراضيًا بتعابيرها الخاصة وتشعر وكأنها إنسان يجلس أمامك ويحدثك. وبوجهة نظري أن مجرد وجود مشاعر حقيقية ظهرت عند إنسان تجاه هذه التطبيقات؛ سواء حب أو استلطاف أو حتى تعلق من نوع ما، يُعد أمرًا مثيرًا ويدعو للتساؤل؛ فهل فعلًا الإنسان بحاجة لتطبيقات أو روبوتات ليحبها ويعيش معها قصته الغرامية، أو يعتبرها صديقه المثالي؟ في الحقيقة نعم، هناك من هم بحاجة! لا تستغرب عزيزي القارئ فكما تعودنا، نحكي القصة والفرضية ومن ثم نحكم عليها.

لم أستغرب أبدًا أن أجد من يتعاطف أو يكوّن علاقة عاطفية مع روبوت أو تطبيق إلكتروني، فبالنسبة لي سوف نسمع عن ما هو أغرب من هذا في المستقبل القريب، فالإنسان يبحث عن من يفهمه ولطالما قلنا مُمازحين متمنين أن نجد صديقًا مثل جوجل يفهم ما نريد، ولطالما تمنينا أن نجد شريك حياة يفهم متطلباتنا دون أن يبني انطباعات عن شخصياتنا وطباعنا، وطالما تمنينا أن نجد البئر الذي نضع فيه أسرارنا فلا يصل إليها أي أحد، فكيف إن كان كل هذا موجود في تطبيق أو نظام إلكتروني يرد عليك فيجادلك ويحدثك وقتما تريد، وتستطيع اسكاته بضغطة زر، تُبدي له اعجابك فيزيد من مديحه بشخصيتك دون الالتفاف لعيوبك، وعندما تحتاج نصيحته ستجده حاضرًا فيدلي عليك بنصيحة يصعب إيجادها من بين البشر، ولو احتجت لمساعدة لوجدته حاضرًا يلبي لك حاجته "لو كانت ضمن قدراته" ودعونا نضع تحت قدراته الف خط، فالقدرات تتطور وتتبدل، وما نراه اليوم مستحيلًا غدًا سيصبح واقع نلتمسه.

قد تقول لي وهل سيكتفي الإنسان بالكلام والحديث الصوتي في علاقاته الإلكترونية، فسوف أقول لك ومن قال إن الإمكانيات سوف تقف عند الكلام والصوت، أليس هناك نظارات واقع افتراضي أو واقع معزز، أليس من الممكن أن تجد شريك حياتك الافتراضي يذهب معك ليشاهد فيلما في السينما، أو يذهب ليتناول العشاء في المطعم، أليس من الممكن بناء كل هذه العلاقة في عالم الميتافيرس وتذهب بتخيلاتك كما لو كنت تعيشها حقيقة، أليس نحن أمام تكنولوجيا ثورية تحاول ربط عقل الإنسان بالآلات والمجسات ومن الممكن أن يصل لك الشعور والإحساس، فما الذي تريده بعد كل هذا.

بوجهة نظري أن مثل هذه العلاقات سوف تظهر بكثرة في قادم الأيام، خصوصًا ونحن نعاني من مشاكل في التواصل البشري، ورغم أننا في عصر الاتصال والتواصل إلا أننا فقدنا مقومات الاتصال الإنساني القائم على التبادل سواء المعرفي أو حتى تبادل المشاعر خصوصًا مع ازدياد العزلة تجاه التكنولوجيا، وتوجهنا نحو الاستغناء عن البشر كرفقاء وشركاء حياة سيزيد يومًا بعد يوم خصوصًا مع وجود بدائل تكنولوجية قادرة على تلبية متطلباتنا دون أن تتخذ أي موقف سلبي تجاهنا.

في عالم بدأ فيه الناس يبحث عن الحرية، حرية الفكر والمعتقد، حرية العلاقات وكيفية بنائها لا تستبعد أن تجد أناس كثر يعيشون قصصهم الغرامية مع روبوتات يحدثونا وكأنها حقيقة، يعيشون معها الوهم وهم راضون بوهم يبرد قلوبهم من علاقات وجدوا فيها الإساءة، وأنا لا أتحدث عن الأشخاص الأسوياء في علاقاتهم فقط، تخيل معي كم شخص تأذى من شريك ويريد الهروب نحو عالمه الافتراضي، كم مراهق يريد التعبير عن مشاعره حتى لو لآلة وجد أنها تتفهم طبيعته، كم مريض نفسي لم يفهمه الناس ووجد ضالته في تطبيق، كم إنسان يعاني من مشاكل جسدية أو عقلية نبذه المجتمع ولم يسمح له بتجربة الشعور بالحب والصداقة الدافئة وسيجدها هناك مع الروبوتات، الفرضيات كثيرة والنماذج أكثر وأعقد.

لا تستغرب عزيزي القارئ إن أطلقت شركة تكنولوجية منتجا أسمته شريك الحياة المثالي وهو عبارة عن روبوت بشكل بشري أو تطبيق ذكاء اصطناعي يعيش التجارب والمغامرات ويكون لك رفيق الدرب والسند والظهر والصديق وقت الضيق، لا تتعجب إن تم إيصال مشاعره لك بطريقة ذكية تجعلك تصدق أن إنسانًا بشريًا يكلمك ويعيش معك هذه التجارب، فصدق أو لا تصدق الآلات والأنظمة ستجيد هذا الدور بامتياز فهي تقريبًا درست عنك كل شيء، ما تحبه وتكرهه، ما يعدل مزاجك وما الذي يغضبك، ما هي طباعك وصفاتك، ولا استبعد أن تدرج برجك وتستعيد بالكواكب حتى تكون قريبة منك بالدرجة التي تريدها، أنت ستطلبها وستجدها، وهنا الخطورة أن تصبح الآلات تفهمنا أكثر من البشر، نحدثها فتسبقنا للخطوة التالية، وفي النهاية فكر معي عزيزي القارئ هي فعلًا نحن البشر سنستسلم لمثل هذا الأمر أم سيكون لنا موقف؛ أعتقد بأننا سنحذر ونكتفي بأن نستنكر.

** المنسق الإعلامي ومنتج الأخبار لصالح مجموعة الصين للإعلام الشرق الأوسط