الشباب بخير

 

أمينة أحمد **

الشباب في مقتبل العمر يغمرهم الأمل ويسعون للعمل وهناك متسع في قلبهم للحب ومصارعة الحياة بكل أشكالها وأحوالها وغالبًا الفوز عليها، هكذا هو حال الشباب الذي تصوّره لنا البيئة الشامية القديمة.

فما إن خطى شارب الفتى اليانع حتى بدا بعين أبيه شابا قادرا على العطاء والعمل والبدء بالعملية الإنتاجية، ليجني المال ويستمع للأوامر ثم ينّفذها دون نقاش وغالبًا ما إن أصبح في بداية العشرين من عمره حتى تبحث أمه له عن عروس لبدء تأسيس عائلته المُستقلة وعمله المستقل وهو في ريعان شبابه.

ربما هذا هو حال الشباب العربي في مختلف البلاد سابقا كما ذكرنا... نعم سابقًا في تلك السنوات التي كانت خالية من عصر العولمة والتكنولوجيا... عصر أجدادنا الذين كانوا يؤمنون بأن العمل عبادة وأن البركة بصِلَةِ الرّحم... وأن زيارة القبور بالأعياد أمر واجب... وأن الرجل لا يبكي ولا يُقاطع النساء من عائلته ولا يرفع صوته على من هو أكبر منه سنًا وغيرها من عادات الاحترام والتقاليد التي كانت عماد المجتمع وسرّ المحبّة والاحترام المتبادل.

ماذا عن اليوم؟ ماذا تغير ولأيِّ حال وصلنا؟ أكثر ما نسمعه من آبائنا نحن لم نكن كذلك طبعًا هم لم يكونوا مثلنا ولم يعيشوا واقعنا فلكل واقع وزمان تاريخه ورجاله.. فنعلم جميعاً أننا نحن مازلنا بخير وأجيالنا القادمة معقود عليها الأمل لمستقبل أجمل ربما شباب اليوم أكثر علمًا ووعيًا من آبائهم وأمهاتهم، يجب أن نعترف أن عصرنا الحالي يتطوّر بشكل متسارع، ويحتاج متابعة جديّة بشكلٍ أكبر، ووسائل التواصل الاجتماعي والشبكة العنكبوتية بكل ما فيها اخترقت كلّ مجالات الحياة اليومية الاجتماعية والاقتصادية والكونية وسيطرت على جزءٍ كبير من حياتنا اليومية، فلنقدر ذلك لهم ولنعترف أن الأيام ملك جيل الشباب لأنّه في كل يوم يستطيع الحصول على ما حصلنا عليه خلال فتراتٍ طويلة زمنيًا من خلال "جولةٍ سريعة في مواقع البحث" فلا حرج أن نسمع منهم لا أن ننتظر لنسمع عنهم ونتكلم معهم لنفهم ونتفهم أوجاعهم وما هي أحلامهم بدل أن نتكلم عنهم للأقارب والمعارف والجيران لماذا لا نكون الملاذ والأمان لهم وحصنهم الحصين فيرتمون في أحضاننا فرحًا أو خوفًا لنملأهم حبًا وحنانًا ونحتويهم، وبالتالي سنجدهم قد نهلوا عاداتنا وتقاليدنا وأعرافنا التي توارثناها أبًا عن جد بسلوكياتنا التي يرونها ويعجبون بها، ونتعلم منهم لتصحيح ما هو خطأ وما لا يناسب المجتمع الذي نحن فيه في ظل انتشار العلم والمعرفة والإيقاع السريع.

هنا نؤكد أنَّ العادات والأعراف والتقاليد والقيم لم تتغير من عصر لعصر وبين جيل وجيل بل اختلف قالبها فقط لبست ثوب الحضارة فأصبحت صلة الرحم عبر رسالة نصية ولقاء الأهل ربما من خلف شاشات الهاتف الذكي... وبات إرسال هدية لقريب يحتاج بطاقة ائتمان واختيار موفق لها من أحد مواقع الشبكة العنكبوتية؛ فالحضارة ألبست ثوبها لأعمالهم اليومية فخففت أعباء الوقت والجهد... وهنا يكمن دور الأهل لجعل اللقاءات الأسرية جزءا من حياة أبنائهم. وطبعاً لا ننكر دور الجيل السابق صاحب الخبرة والتجربة لذلك يجب أن يكون هناك نوع من التوازن بين تطوير الشباب والاستعانة بأهل الخبرة في كل مجالات الحياة بدءًا من الأسرة الصغيرة في البيت مرورًا بالعلاقات الاجتماعية في الحي والشارع وصولًا للعمل.

هي الحياة إذن، جيل يتبعه جيل، وجيل يسلم الأمانة للجيل الذي يأتي بعده ويليه، وأجيال تذهب وتبقى في الذكريات وأجيال تأتي ومعها الأمنيات، ويبقى بين هذه الأجيال خيوط وتواصل وارتباطات شئنا أم أبينا، فلنثق بأبنائنا الشباب ونشد على أزرهم ولنطلق العنان لأفكارهم ونتقبل أن أيامهم لا تشبه أيامنا فالشباب أيها الأحبة هم أمل المُستقبل، وعماد الأمة، وأسباب نهضتها وتقدمها، يستمدون قوتهم منَّا فلنترك المقارنة بين ما عشناه وما يعيشونه.

** كاتبة سورية

تعليق عبر الفيس بوك