هل يوجد في بيتكم باحث عن عمل؟

 

سالم بن نجيم البادي

قال غاضبًا: هل يوجد في بيتكم باحث عن عمل؟ ولم يكن ينتظر الإجابة، لكنه أراد أن يتحدَّث عن هموم الباحثين عن عمل وأسرهم وخاصة الوالدين الذين يوجعهم حال ولدهم الشاب الذي يُعاني من الفراغ والملل والضيق، وقد يلجأ إلى النوم الطويل هربًا من واقعه، وهو يُشاهد أقرانه الذين تم توظيفهم يبنون مستقبلهم خطوة خطوة من شراء سيارة وبناء منزل أو استئجار منزل مؤقتًا حتى يستطيعوا بناء منزل مستقل، وإن كان بالاقتراض من البنوك ثم الزواج والسفر والرحلات والتسوق وحضور المناسبات المختلفة.

إنها الحرية حين يستطيع الشاب فعل ما يريد، ويشتري ما ترغب فيه نفسه، وقد ضمن دخلًا ثابتًا يأتيه على رأس كل شهر، في حين أن الباحث عن عمل ينتظر تنال منه مشاعر الغيرة والعجز والخجل من أن يمد يده إلى والده من أجل الحصول على أشياء بسيطة، لكن لا غنى له عنها هاتف ثم شراء رصيد لهذا الهاتف، ويريد شراء ملابس تشبه الملابس التي يلبسها الشباب في المجتمع الذي يعيش فيه، وقد يكلم والدته لتكلم والده إن أراد أن يشتري شيئًا ويأتيه الرد صادمًا "ما عندي فلوس خليه يصبر لين يشتغل"! وفي أحسن الأحوال قد يقول الوالد "يوم يطلع الراتب.. راتب هذا الشهر خلص".

وقد حدثني هذا الرجل عن الصدمات المتتالية التي يستقبلها ولده حين يقدم في كل مرة للوظائف التي يُعلن عنها ولا يوفق في الحصول عليها، وتأتيه تلك الرسالة التي تمت صياغتها بطريقة جافة وقاسية وكأنها الصفعة على الوجه، والتي تُعلن عن عدم قبوله في الوظيفة وبعدها يمر بحالة من الاكتئاب والحزن واليأس تستمر حتى يعلن عن وظائف جديدة، فينتعش الأمل مرة أخرى ويتم الرفض تحت ذرائع مختلفة منها الأقدمية أو لأنه غير مؤهل ولا يملك الخبرة، أو لأن تخصصه لا يتلاءم مع الوظيفة ولعدم التأهل لشغل الوظيفة.

لا أحد يشعر بمشاعر هؤلاء الذين قضوا أوقاتهم في انتظار الحصول على عمل، غير من ذاق مرارة الانتظار، ومن يده في النار ليس كمن يده في الماء.

ويضيف الرجل: "لقد سئمنا ذلك السؤال المتكرر من الأقرباء والمعارف، بعده ولدك ما اشتغل؟ أحس بالحرج والضيق وحين أجيب بالنفي أرى الشفقة في ملامح وجوههم، ويتجنب ولدي مخالطة الناس هربًا من هذا السؤال وين اشتغلت؟ ثم وبعد أن يعلم الناس أن الابن لا يعمل، تنهال علينا النصائح والاقتراحات، لماذا لا يعمل في شركة ما لازم ينتظر الوظيفة الحكومية، لماذا لا يفتح مشروعًا تجاريًا صغيرًا أو يعمل بائعًا في أحد المراكز التجارية أو سائقًا أو عاملًا أو نادلًا في مطعم أو مقهى، المهم أن يعمل وأن يكسب المال وأن يرضى بالقليل حتى يظفر بالكثير.

ومع أن هذا الكلام منطقي ومعقول، إلا أنه حتى هذه الأعمال التي ذكروها قد لا تكون متاحة في كل الأحوال، وإن وجدت فما هو العائد المادي؟ وهل يكفي لمتطلبات الحياة الكثيرة؟ وإن وجدت هذه الوظائف بعيدًا عن المنطقة التي يسكن فيها الباحث عن عمل، فماذا عن إيجار السكن وشراء الطعام ووقود السيارة أو دفع أجرة النقل من وإلى مقر العمل والمنطقة التي ينتمي إليها الباحث عن عمل؟ وما المبلغ الذي سوف يدخره لبناء مستقبله وتكوين أسرة وبدء حياة جديدة؟

إن الحديث عن مشكلة الباحثين عن عمل يطول وحكاياتهم لا تنتهي، وهم في انتظار إيجاد حلول  تقضي على مشكلتهم من جذورها، قبل أن تتفاقم وتتولد عنها مشكلات اجتماعية لا حصر لها.