فك كربة المكروب

 

حمود بن سيف السلماني

بداية وقبل الدخول في موضوع فك كربة يتوجب علينا الإشارة إلى الأسباب التي يتم فيها حبس المنفذ ضده، حتى تتضح الصورة كاملة للجميع وذلك بأن قاضي التنفيذ لا يتخذ إجراء الحبس أو الأمر بحبس المنفذ ضده إلا بعد استنفاد كافة الإجراءات القانونية المنصوص عليها في قانون الإجراءات المدنية والتجارية لإلزام المنفذ ضده بسداد المبلغ المحكوم به، والحبس هنا ليس عقوبة للمنفذ ضده وإنما هو إكراه له لسداد ما عليه من مبالغ محكوم بها، كما أنه يحق للمنفذ ضده التظلم من أمر الحبس أمام محكمة الاستئناف، للنظر في قرار الحبس والفصل في شأنه حول تأييده أو الغائه.

وفي أغلب الأحيان يقوم المنفذ ضده بالتواصل مع طالب التنفيذ وذلك من أجل عمل تسوية لتنفيذ الحكم محل السند التنفيذي، بالاتفاق على تقسيط المبلغ شهريًا أو على دفعات مُعينة وفق آلية يتفق عليها الأطراف دون تدخل من قاضي التنفيذ في ذلك، وقد يصادف تعسر وتعثر المنفذ ضده في سداد تلك المبالغ، حتى بعد عمل التسوية مع طالب التنفيذ، فهنا يتوجب على قاضي التنفيذ اتخاذ الإجراءات القانونية اللأزمة لتنفيذ الحكم، بعد أن يتقدم طالب التنفيذ بطلب بالسير في إجراءات التنفيذ.

وفي هذا السياق نبدأ بقول النبي محمد عليه أفضل الصلاة والتسليم: "من كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته، ومن فرج عن مسلم كربة فرج الله عنه كربة من كربات يوم القيامة، ومن ستر مسلماً ستره الله يوم القيامة"، وقال أيضًا:  "من نفس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة، ومن يسر عن معسر يسر الله عليه في الدنيا والآخرة، ومن ستر مسلمًا ستره الله في الدنيا والآخرة. والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه".

ما أجمل قول النبي الكريم عليه أفضل الصلاة والتسليم، في حب المسلم لأخيه المسلم، ومن هذا المنطلق ومع نفحات شهر رمضان المبارك لهذه السنة، ومع كل السنوات السابقة لمبادرة فك كربة، والتي تأتي بثمارها دائمًا وبمساعدة المعسرين وإخراجهم من الحبس من كان محبوساً على ذمة دين تجاري أو مدني أو غيره، لإرجاعهم إلى أسرهم فرحين بالإفراج عنهم ويسعد أبنائهم بهم وأمهاتهم وأخواتهم، وقد يكون بعضهم هو المعيل الوحيد لهم.

ومبادرة فك كربة وبالتنسيق مع أقسام التنفيذ على مختلف محافظات السلطنة، ترفع أسماء المحبوسين والذين عليهم ديون ولا يستطيعون سداد ما عليهم من دين، والمبادرة تستهدف عددًا كبيرًا من المحبوسين من أجل الإسراع بالإفراج عنهم وإدخال وإعادة الفرحة إلى الأسرة بعودة المحبوس إليها.

ومبادرة فك كربة تستهدف فئة معينة من المجتمع وهم الذين تمت الإشارة إليهم أعلاه وفق شروط معينة، ولكن لا يعني ذلك أن الآخرين لا يستطيعون المبادرة بمساعدة المعسرين الآخرين وتفقد أحوال جيرانهم ومن حولهم قبل حلول شهر رمضان الكريم، حيث إنه توجد بعض الأسر المتعففة والتي لا تمد يدها طلبًا للصدقة، ويجب على الإنسان البحث عن المحتاجين ليوفر لهم بعض أغراض رمضان أو قوت يومهم، والتي بها سيدخل السعادة في قلوب الكثير من الأسر، والمساعدة ليست محصورة في الشهر الفضيل شهر الرحمة والمغفرة وإنما متاحة في كل يوم وحين، إلا أن الأجر في الشهر الكريم مضاعف.

وكثيرًا ما نشاهد في بعض الدول المجاورة أو حتى الدول الغربية وجود طرق جميلة جدًا في تلبية احتياجات الآخرين والذين لا يملكون نقودًا لشراء الخبز أو شراء الأرز أو الطحين... وذلك بوضع الطحين أو الأرز في أرفف مخصصة بالمحل التجاري، والذي قد دُفع قيمته سلفًا لصاحب المحل، ويأتي المحتاج لأخذ ما يحتاج قدر حاجته دون تحرج أو خجل، وهذه المبادرة نجدها قد عملت فعلًا في محلات بيع الخبز، وذلك بوضع سلة بجوار باب المحل ويأتي من يحتاج للخبز ويأخذ قدر حاجته.

وبهذا نكون قد استهدفنا شريحة كبيرة من المجتمع، وبطريقة جميلة تبعد الإحراج عن المتبرع والمحتاج، وهذه المبادرة لما فيها من الفضل الكبير والعظيم عند الله سبحانه وتعالى، سواء في الشهر الفضيل أو غيره من الأشهر الكريمة، فليس المحبوس فقط من يحتاج إلى المساعدة وإنما هو وغيره من الأشخاص والذين ليس لديهم معيل ليوفر لهم احتياجاتهم اليومية.

إدخال سعادة في قلب إنسان خير وأجمل عند الله.

** محامٍ ومستشار قانوني

تعليق عبر الفيس بوك