بين جنبات متحف "عمان عبر الزمان".. رحلة استكشافية للعصور القديمة والتفاعل مع الحضارات المتعاقبة

...
...
...
...
...
...
...
...
...
...
...
...
...
...
...
...
...
...
...
...
...
...
...
...
...
...
...
...
...
...
...
...

الرؤية- مدرين المكتومية

جذب افتتاح متحف "عمان عبر الزمان" أنظار الكثيرين من داخل السلطنة وخارجها، والذي حظي برعاية سامية وكريمة من جلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم- حفظه الله ورعاه- إذ يمثل المتحف تحفة معمارية وفنية في قلب ولاية منح بمحافظة الداخلية، ليكون حافظاً للإرث العماني القديم، وشاهدا على النهضة المتجددة الحديثة.

وبمجرد الدخول إلى المتحف، ينتقل الزمان بالزائر عصورا تلو أخرى ليقف على أعتاب الحقب التاريخية المتعاقبة التي تسطر اسم عمان وحضارتها وإرثها الخالد، ليجسد اسم المتحف "عمان عبر الزمان" صورة حقيقية من الشعور الذي سيتملك الزائرين فور دخولهم، فهو يدمج بين الماضي والحاضر ليذهب بالجميع في رحلة عبر الزمن إلى التاريخ القديم عبر "قاعة التاريخ" التي تجذب الأنظار بكل تفاصيلها ومفرداتها وما تتضمنه من مقتنيات وصور تشكل كنزا تاريخيا عظيما يحكي الكثير والكثير.

ويتيح متحف عمان عبر الزمان إمكانية التجول بين جيولوجيا عمان وعصورها المختلفة، سواء العصر الحجري أو التعرف على المستوطنات القديمة ثم العصر البرونزي والذي تشهد عليه حضارة مجان، انتقالا للعصر الحديدي والذي مثلته مملكة عمان، مرورا بعصر الإسلام ودولة اليعاربة، وانتهاء بدولة البوسعيديين.

ولا يقتصر الأمر على عرض تلقيدي للمقتنيات والصور، لكن عظمة هذا الصرح التاريخي في طريقة عرض محتوياته، فلقد لعبت التقنيات الحديثة دورا كبيرا وساهمت في استعراض تاريخ عمان بشكل مرئي وتفاعلي مدعوما بالصوت، فبمجرد لمس الشاشة تظهر تفاصيل كل شيء معروض تريد معرفة أي تفاصيل عنه، ويشرح لك صوتيا تاريخ هذا الشيء المعروض وتفاصيله، وكأنَّ اللوحة التي يتفاعل معها الزائر تخبره بأنَّ كل شيء جامد يظل في سباته حتى يجد من يهتم به لتعود إليه الحياة ويظهر بريقه بدلاً من أن يظل حبيس الخزائن والأدراج لأنه حينها سيفقد قيمته مهما كان ثمينا.

تلك التقنية ساهمت في جعل كل شيء يبدو وكأنه حي، وكأنه قادر على أن يلامس دواخل الشخص الواقف ليتأملها، لم تكن تلك القاعة مجرد قاعة لزوار بقدر ما كانت معبرا حقيقيا لكل من يبحث عن ذاته وتاريخه، كانت اللقاء بين الماضي والحاضر، بين البساطة والحضارة، وبين كل ما يربط الناس بجماليات الأشياء.

تتجول بين أروقة المتحف تبحث عن شيء يشكل فارقا بالنسبة لك، تبحث عن نفسك وعن كيان متفرد، تبحث عن استقلاليتك في كل شيء، شعور داخلي ينتابك وكأنك تزاحم العالم بنجاحاتك وتفوقك، وأن عمان هي الحاضر الباقي دائما ولا يمكن نكران ذلك، ومع هذا المتحف الذي كشف لنا صورة واقعية لتاريخ عمان الذي طالما قرأناه في الكتب لكننا لم نعشه، وقرأنا عنه سطورا وكتبا، ليأتي متحف عمان عبر الزمان ليجعلنا نرى ونسمع ونقرأ في ذات الوقت مدركين أهمية "كتب التاريخ" وأهمية الرسائل التي تحملها تلك الكتب، وأهمية ما يجب أن يتعلمه أبناء الجيل الحالي بأن هذه هي عُمان التي نعيش على أرضها وهذا هو تاريخها وحضارتها.

بقايا المستوطنات

في ركن مخصص، تجد نفسك تتجول بين الحفريات وبقايا المستوطنات برأس الجنز ورأس الحمراء ومختلف الحيوات التي عاشها الإنسان في تلك الحقبة الزمنية، وما ارتبط بها من هجرات موسمية، وارتباطه بالتنقل والتواصل البحري وتجارة النحاس، والتفكير الإبداعي للأجداد حين بنوا منظومة الأفلاج التي لاتزال أهم ما قدمه العماني من إنجاز حضاري، ليبتكر الأوائل طريقة إبداعية ووسيلة هندسية عظيمة في السقي والشرب وتوزيع المياه.

وما ميز تلك القاعة التاريخية هو ما تحويه من بيئة افتراضية تتسم بالدقة في نقل الزائر نحو إسهامات أهل عمان في الإسلام، وتنوع الحياة الفكرية والاقتصادية والاجتماعية والسياسية، بالإضافة إلى إسهامات العلماء العمانيين العلمية في مختلف المجالات.

خطوات الاكتشاف

وعلى الرغم من المسافة التي يقطعها الشخص وهو يتجول بين أرجاء المتحف، وأيضا التدقيق في كل ما يحويه المتحف، إلا أن الشعور بالسعادة يغمرك ولا يجعلك تشعر بالزمان لأن كل خطوة لك في متحف عمان عبر الزمان هي اكتشاف وكل خطوات متتالية توصلك لمكان تقف عنده بكل سعادة لتتعلم المزيد وتكتشف كل ما تبحث عنه، وبالمشي نحو نهاية قاعة التاريخ يصل الشخص لجناح دولة البوسعيديين، والذي يمكن من خلاله التعرف على 4 مراحل في هذا الجناح وهي: فترة تأسيس الدولة، رحلة الإمبراطورية العُمانية، فترة انقسام الحكم بين مسقط وزنجبار وأخيرا مرحلة النهضة، وكل ذلك من خلال الكشف عن سير الحياة وتفاصيلها المختلفة.

النهضة المباركة

تواصل السير بكل شغف لتتنقل من مكان لآخر وكأنك تنتقل من محطة لأخرى ومن زمن لآخر ومن حياة لأخرى، تبحث بين كل ذلك عن أشياء تخصك وربما تذكرك بحياة أخرى كانت ضمن خيالاتك، تبحث عن نفسك وعن الماضي بكل ما فيه والحاضر بكل تطلعاته والمستقبل بما يحمله من منجزات، حتى تصل إلى إلى "قاعة عصر النهضة المباركة" لتكتشف حاضرك وتطلعاتك عبر تلك القاعة الواسعة، التي تحمل بداخلها تفاصيل تجعلك تقف صامتا تنصت للصوت القادم من بعيد يتحدث عن البدايات الأولى لنهضة عمان المباركة، وقد تم تصميم مدخلها على شكل فضاء مفتوح وفي الوسط أعمدة تتناول الأعوام الخمسة الأولى من عمر النهضة المباركة، وبالصوت والصورة ينتقل الزائر بالمشاهد ليجد نفسه يرى الحياة بتفاصيلها البسيطة من خلال التركيز على التقدم والازدهار والتطور والنماء في كل ربوع السلطنة.

الخطابات السامية

وتحتوي القاعة على وسائل متحفية رقمية تفاعلية تستعرض الخطابات السامية لحضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم- حفظه الله ورعاه- والخطابات السامية للمغفور له بإذن الله تعالى السلطان قابوس بن سعيد- طيّب الله ثراه-، إضافة إلى مرتكزات النهضة المباركة كالعلاقات الخارجية والتعليم والاقتصاد والسياحة والصحة وأيضًا منجزات البنية الأساسية.

تعليق عبر الفيس بوك