الأمن الإلكتروني.. ضرورة حتمية لمواجهة الاختراقات وحروب "الجيل الخامس"

◄ الطائي: الحرب الإلكترونية أشد فتكًا من حرب الأسلحة والبارود

◄ السالمي: نحتاج إلى حوكمة واضحة وشاملة لحماية البيانات ورفع كفاءة الخدمات الإلكترونية

◄ البحري: التحول الرقمي يتطلب قدرة أكبر لحماية أمن المعلومات

◄ العاصمي: نظام الحوكمة يوفر إطارًا لإدارة المعلومات الحساسة وحمايتها

الرؤية- فيصل السعدي

في زمن التحول الرقمي وطفرة التطبيقات وتصاعد الاختراقات التي تشهدها الحكومات والأفراد، فمن البائس أن تحارب طرفا مجهولا يشل كل إمكانياتك ويهدد بنشر أو بيع معلومات في غاية الأهمية والحساسية بثغرة لم تحسب وجودها، وتماشياً مع هذا التطور المعلوماتي المتسارع سعت الحكومة الرشيدة لحوكمة أمن المعلومات بشكل آمن يواكب هذا التسابق المعلوماتي وصونه من أي تهديد، فقد أصدر مولانا حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم حفظه الله ورعاه مرسومًا سلطانيًا رقم ٦٤/٢٠٢٠ بإنشاء مركز الدفاع الإلكتروني ليتوافق مع رؤية عمان ٢٠٤٠ وبتخصيص"أكاديمية الأمن الإلكتروني" في بناء القدرات والأفراد  واهتمامها ببناء قيادات ومتخصصين في الأمن السيبراني بدءًا من المدارس وذلك بالتعاون مع وزارة التربية والتعليم.

 

ويؤكد المكرم حاتم بن حمد الطائي رئيس تحرير جريدة الرؤية والأمين العام لمؤتمر عُمان للأمن الإلكتروني، أن الأمن السيبراني اليوم يعد أحد عناصر الأمن القومي غير التقليدية، وبات يتخطى كونه مصطلحًا عسكريًّا أو استخباراتيًّا؛ لاسيما في ظل التطور المتسارع للتقنيات المعتمدة على الحواسيب والإنترنت ولغات البرمجة، والتي أسهمت في تنامي التحديات الأمنية المرتبطة بقطاع تكنولوجيا المعلومات، وتعاظم المخاطر التي تهدد البنية الأساسية لقطاعِ أمن المعلومات والأجهزة الإلكترونية، موضحا أن الفضاءات السيبرانية المفتوحة تدفع للانتباه بشدة إلى مسألة الأمن الإلكتروني، والعمل على حماية مختلف النظم التكنولوجية ضد أية محاولات للقرصنة أو الاختراق.

ولفت إلى أنَّ الحروب في عالم اليوم لم تعد كما كانت في السابق، إذ لم تعد المعارك القائمة على البارود والأسلحة النارية، لأن مفهوم "حروب الجيل الخامس" والتي تعتمد بصورة أساسية على توظيف التقنيات الحديثة باتت نوعًا جديدًا من الهجوم، بالإضافة إلى ظهور مصطلح "الجيش الإلكتروني"، وتأسيس إدارات "الحرب الإلكترونية" لدى أجهزة الأمن والاستخبارات والجيوش حول العالم، مضيفا: "باتت فلاشة صغيرة أو رسالة بريد إلكتروني تحتوي على محتوى خبيث، أشد ضررا من إطلاق قذيفة مدفعية أو إسقاط قنابل على المدن".

ويشدد الطائي على ضرورة استشعار حجم التحدي من أجل تشخيص الوضع على النحو الأمثل، ومن ثم تأهيل وتدريب الكوادر العاملة في قطاعات تقنية المعلومات والتخصصات المرتبطة بها، وصولًا لترسيخ أسس الحوكمة في مختلف الوظائف المرتبطة بأمن المعلومات، وبناء الشراكات مع الجهات الموثوقة، والاعتماد على الكفاءات الوطنية من خلال زيادة الاستثمارات في الشركات والمؤسسات الوطنية العاملة في هذا القطاع، مع إيلاء أهمية بالغة لتعزيز الوعي المجتمعي بالأمن الإلكتروني والمخاطر المرتبطة به وآليات الحماية وإحكام السيطرة، والتي تتسق جميعها مع أهداف الرؤية المستقبلية "عُمان 2040"؛ سواء على مستوى بناء مؤسسات قوية ومتماسكة تعمل بكفاءة عالية في مواجهة التحديات، أو المرتبط منها بتعزيز تنافسية عُمان على كافة المؤشرات الدولية بما فيها الحوكمة.

من جانبه، يشيد راشد بن سالم بن سعود السالمي الرئيس التنفيذي لشركة انسايت لأمن المعلومات، بمستقبل الأمن الإلكتروني الذي وصلت إليه السلطنة، مبيّنا: "هناك تحسن في تطوير البنية التحتية المعلوماتية، في ظل توجه الحكومة والمجتمع التجاري نحو توفير خدمات إلكترونية آمنة، وتحديد أولويات الحماية لبيانات المؤسسات والأفراد، كما أن هناك بوادر لتحسن الأوضاع بسبب ازدياد الوعي لدى المسؤولين وأفراد المجتمع وسعي المؤسسات الحكومية لتوفير الموارد المالية والكوادر البشرية اللازمة لرفع قدرات الحماية والالتزام بمتطلبات الحوكمة، وكذلك قيام الجهات المشرّعة والمشرفة على الأمن الإلكتروني بإصدار العديد من اللوائح والبرامج التنظيمية الهادفة إلى تعزيز قدرات حماية البيانات وتوفير خدمات إلكترونية قابلة للاستمرارية".

ويشير إلى أن المرسوم السلطاني رقم 6/ 2022 جاء ليدعم جهود حماية بيانات الأفراد، ويضع إطارا قانونيا للتعامل مع البيانات الحساسة، الأمر الذي سينتج مجموعة كبيرة من اللوائح والأطر التنظيمية التي ستدعم جهود التحول الإلكتروني وتوفير منصات إلكترونية تلقى قبول المجتمع، مؤكدا الحاجة إلى أطر واضحة وشاملة لتسهيل الالتزام بمبادئ حماية البيانات ورفع كفاءة الخدمات الإلكترونية، وتقييم الجهود المبذولة ومواءمة المتطلبات المحددة لكل سياق سواء الحكومي أو الخاص.

ويؤكد السالمي سعي الحكومة لإتمام جاهزية المؤسسات وقدرتها على ضمان استمرارية أعمالها وخدماتها الإلكترونية، في الوقت الذي أتت فيه القوانين والتشريعات موائمة لحاجات العصر، مضيفا: "توجد بعض الجوانب التي تحتاج إلى تحسين وتمكين، ومع ذلك تحقق التشريعات قفزات حقيقية وتمكن المؤسسات والأفراد مواكبة الحاجات المعاصرة، كما أن مجموعة من المراسيم السلطانية ساندت القضاء العماني وعالجت مسائل المعاملات الإلكترونية والجرائم الإلكترونية، وكذلك حماية بيانات الأفراد، بالإضافة إلى أن العديد من المؤسسات المشرعة مثل وزارة النقل والاتصالات وتقنية المعلومات ومركز الدفاع الإلكتروني والبنك المركزي وهيئة سوق المال قامت بتحديد متطلبات واضحة للالتزام ومتابعة تنفيذ تلك المتطلبات".

ويرى سعيد بن سالم بن سعيد البحري قائد فريق أمن المعلومات، أن الأمن الإلكتروني يشهد تطورات كبيرة خصوصا في العقد الأخير، والتي تمثلت في جوانب تتعلق بالحوكمة والتدريب، إذ تم إنشاء مركز للدفاع الإلكتروني مختص في القيام بعمليات فحص ومراقبة ومعالجة حوادث الأمن الإلكتروني بالتنسيق مع مختلف مؤسسات الدولة، والعمل على مجموعة مبادرات ميدانية ساهمت في رفع مستوى الوعي المعرفي بالأمن الإلكتروني لأفراد المجتمع، والمشاركة في مختلف المحافل المحلية واللقاءات الإذاعية لنشر الوعي المجتمعي، لافتاً إلى أنه بناء على الإحصاءات فإن معظم مؤشرات الأمن الإلكتروني في تصاعد إيجابي في كثير من الجوانب المتعلقة باستراتيجيات الدفاع الإلكتروني المتعارف عليها. 

ويشيد البحري بالتجربة الناجحة في إنشاء أقسام معنية بالأمن الإلكتروني في مختلف المؤسسات الحكومية وتدريب الكادر المهني وصقل مهاراتهم المطلوبة لأداء واجباتهم العملية، مشيرا إلى الاهتمام الكبير من قبل الحكومة والمعنيين لإيجاد شركات كثيرة توفر خدمات الأمن وخلق حالة من التنافس بينهم لتجويد الخدمات وتطويرها.

ويقول قائد فريق أمن المعلومات، إن السلطنة قطعت شوطا كبيرا في مجال "الحوكمة" والتي تعني الامتثال للسياسات والقوانين المرتبطة بالأمن الإلكتروني داخل المؤسسات الحكومية والقطاع الخاص، للحفاظ على سلامة وأمن المعلومات والخدمات، لافتاً إلى الجهود العمانية المبذولة لوضع قوانين تتعلق بالحوكمة ومعالجة الجرائم الإلكترونية وحفظ وتداول المعلومات والبيانات، وكذلك إنشاء مركز للدفاع الإلكتروني معني بالحوكمة في مجال الأمن الإلكتروني داخل المؤسسات في مختلف القطاعات.

ويوضح: "تمكين الحوكمة يساعد في ضمان أمن وسلامة البيانات وتوفير الجهود والموارد في هذا المجال، كما أن فاعلية الحوكمة تساعد في تعزيز الجاهزية للتصدي لحوادث الأمن الإلكتروني، لأن معظم القطاعات والمؤسسات مرتبطة ببعضها البعض في تقديم خدماتها،  كما تعتبر فاعلية الحوكمة للأمن الإلكتروني عاملا أساسيا للنهوض بالاقتصاد المحلي، فالتحول الإلكتروني يتطلب منا حماية أكبر ووعيا أشمل بأهمية الحفاظ على أمن المعلومات، وهناك معلومات في غاية السرية منها معلومات مصرفية ومعلومات تخص القطاع النفطي والاقتصادي للبلد يجب المحافظة عليها".

ويعتبر طلال بن سعيد بن علي العاصمي مدقق تقنية المعلومات بشركة المها لتسويق المنتجات النفطية، أنه لا يمكن تجاهل الحاجة الماسة لتطبيق نظام الحوكمة في قطاع الأمن الإلكتروني، إذ يوفر نظام الحوكمة إطارًا لإدارة المعلومات الحساسة وحمايتها، مثل البيانات الشخصية والسجلات المالية والملكية الفكرية، فهو يساعد على ضمان تنفيذ أنظمة الأمن الإلكترونية بفعالية وكفاءة مع وجود ضوابط ورقابة مناسبة لمنع الوصول غير المصرح به إلى المعلومات أو استخدامها أو الكشف عنها.

ويشير العاصمي إلى أن البيئة القانونية والتشريعية تعتمد فعاليتها في تطبيق الأمن والحوكمة على عدة عوامل، يشمل ذلك وضوح القوانين واللوائح ذات الصلة وإمكانية إنفاذها، والموارد والخبرات المتاحة لتطبيق وإنفاذ تلك القوانين واللوائح، ومستوى الوعي والامتثال بين أصحاب المصلحة في قطاع الأمن الإلكتروني، موضحاً أنَّ البلدان التي لديها أطر قانونية راسخة ووكالات تنظيمية فعالة، تتمتع بأمن معلوماتي قوي يُعزز من استقرار قطاع الأمن الإلكتروني، كما أن قوانين حماية البيانات القوية وآليات التنفيذ تساعد في ضمان تصميم أنظمة الأمان الإلكترونية وتشغيلها بطريقة تحمي البيانات الشخصية والخصوصية.

ويضيف: "في المُقابل، نجد في البلدان ذات الأطر القانونية الأضعف أو ذات قدرات الإنفاذ المحدودة، قد تكون فعالية البيئة التشريعية أكثر محدودية، وفي مثل هذه الحالات من الضروري للمؤسسات الحكومية وللشركات والأفراد في قطاع الأمن الإلكتروني اتخاذ خطوات استباقية لتنفيذ أنظمة حوكمة فعَّالة وضمان الامتثال لأفضل ممارسات الأمان والخصوصية، فقد يشمل ذلك الاستثمار في التدريب والموارد لبناء القدرات الداخلية، والتماس التوجيه من الاتحادات الصناعية أو الخبراء الآخرين، واعتماد معايير أو شهادات طوعية لإثبات الالتزام بالحوكمة الرشيدة والممارسات الأمنية".

تعليق عبر الفيس بوك