"عُمان عبر الزمان" افتراضيًا

 

سعاد بنت سرور البلوشية

 

تُصاب بالدهشة حين تطأ قدماك أول متحف افتراضي في سلطنة عُمان، والذي يجسد تقاسيم التناسق والتناغم الفريد في الصناعة الرقمية، فبالاقتراب منه للمرة الأولى يفاجئك التوظيف الابتكاري المذهل للمعلومات والبيانات التاريخية، والسرد القصصي التقني والتفاعلي، لأهم الأحداث والآثار التي تفخر بها سلطنة عُمان، على امتداد أكثر من 800 مليون عام، كل ذلك تجده في قاعتين رئيسيتين: التاريخ وعصر النهضة، تتفرع منهما أجنحة وأقسام عدة.

ثقافة فنية وعلمية وتاريخية وترفيهية مختلفة يكتسبها الزائر لهذا الصرح البديع، الذي يعكس الاستثمار الرابح بلا شك لمستحدثات تقنيات الاتصالات المتقدمة، وإنترنت الأشياء والذكاء الاصطناعي، والواقع الافتراضي والواقع المعزز بأشكال ثلاثية وثنائية الأبعاد، وغيرها العديد من مهارات المستقبل، والتي تأتي تنفيذا لتوجيهات حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم- حفظه الله ورعاه- بضرورة إعداد الأجيال ورعايتهم ورفدهم بكافة سبل التمكين، وتوظيف جميع المُعطيات لرفعة شأن الفرد والمجتمع العُماني.

ومن الواجب السعي وحث الخطى نحو الاستفادة من مختلف الممكنات، التي تسهم في بناء وتربية وتعليم وتقويم الإنسان وإعداده لغدِ أفضل، والعمل على محاكاة الواقع الحقيقي بأحداثه ومجرياته، عبر شاشات رقمية تنقلنا إلى عالم افتراضي، من خلال مشاهد وصور وحركات وأصوات ومؤثرات بصرية وسمعية (وسائط متعددة)، تبدو كما لو كانت حقيقية، والشغوف لمعرفة تاريخ وحضارة سلطنة عُمان عبر الحقب الزمنية الماضية، يمكنه الاستفادة من كافة الخدمات التي يقدمها المتحف، عبر آلية ستكون متاحة بشكل دائم وبمواعيد تم الإعلان عنها.

إنَّ خاصية الإبحار والتجوال في مزارات تحاكي الواقع، بطريقة مبهرة مع رؤية جذابة، أبرز ما يُميز المتحف. هذا ما لاحظناه شخصيًا ونحن نواصل الاستمتاع بخوض تجربة مشاهدة شخصيات افتراضية تتواصل معنا، كما يُعد دمج التاريخ بالتقنية وسيلة فعالة، حتماً ستُساعد على توصيل الكثير من المعارف إلى مختلف أطياف المجتمع، وخاصة فئات الصغار أو الأطفال، ففكرة التفاعلية حاضرة هنا، وبطرق مبتكرة، من خلال الألعاب الرقمية مع إمكانية إعادة العرض لأكثر من مرة، فضلاً عن خاصية المركزية أو التركيز، وهذا ينسجم تماماً مع اهتمامات ورغبات الجيل الحالي، واتجاهاته باستخدام التقنية في كل شيء، وعليه فالمتحف كقوة ناعمة جاء في وقته ليلبي استخدامات وإشباعات ستحقق قريباً، عبر مستهدفات عدة.

وأحد هذه المستهدفات هو الحفاظ على الهوية الوطنية والثقافية والتاريخية، وإكساب الفئات المستهدفة منه على تعدد مستوياتها، المعلومات المرتبطة بصقل شخصية الإنسان العُماني، وبالممارسات الفعلية للقيم والعادات والتقاليد، مع إجادة التعامل مع الكم الهائل من التفاصيل التي تقدمها مختلف وسائل التعليم والترفيه في ذات الوقت، والقدرة على التفريق بين الحقائق باختلاف المراحل العمرية، وتقديمها في قالب من الحبكة والارتباط الوجداني، الذي يجعل المتابع يتذوق جماليات حضارة بلاده، ويغوص أكثر لسبر أغوار ذلك التاريخ الدفين منذ الآلاف السنين، وهنا نؤكد على الدور المعرفي الذي سيؤديه متحف عُمان عبر الزمان، في توجيه السلوكيات وتنمية القدرات بالارتباط مع الممكنات الطموحة في رؤية "عُمان 2040".

تعليق عبر الفيس بوك