البيان الثلاثي السعودي الإيراني الصيني.. دلالات وتوجهات

 

تشو شيوان **

دلالات كثيرة وتوجهات أكثر حملها معه البيان الثلاثي المشترك الذي أصدرته جمهورية الصين الشعبية والمملكة العربية السعودية والجمهورية الإسلامية الإيرانية يوم الجمعة الماضي في بكين، بعد أن أعلن الجانبان السعودي والإيراني التوصل إلى اتفاق يتضمن الموافقة على استئناف العلاقات الدبلوماسية وإعادة فتح سفارتيهما وممثلياتهما خلال مدة أقصاها شهران، بعد قطع للعلاقات دام لسنوات.. والسؤال الذي يُطرح هنا: كيف ستتشكل توجهات المنطقة بعد هذا البيان؟ وما الدلالات سواء في توقيت البيان وقراراته؟

في البداية يجب أن نعترف جميعًا بأن التوصل إلى الاتفاق بين السعودية وإيران له أهمية كبيرة في حفظ الاستقرار والسلام لكلتا الدولتين، وعند الحديث عن الفائدة فالفائدة ليست للسعودية وإيران فقط بل للمنطقة بأكملها، خصوصًا وأن كلًا من السعودية وإيران لديهما ثقل في المنطقة، ومن الصعب أن تستمر الخلافات والمناوشات والتي قد تتسبب في انحراف المنطقة نحو وضعيات خطيرة، كانت ستكون أخطر لو لم يأتِ الاتفاق الثلاثي.

أما فيما يتعلق بالدلالات.. فمن وجهة نظري أن أكبر دلالة يمكن أن نستدلها هنا هي الدور الصيني في هذا الاتفاق؛ فالصين لعبت دور الوساطة باحترافية كاملة وقرّبت وجهات النظر للتوصل لاتفاق تاريخي بين البلدين، والدلالة الثانية والمهمة أن الصين تتمتع بعلاقات قوية مع جميع الدول وتستطيع التأثير في قراراتها وتشجيعها على السلم والسلام، خصوصًا ونحن نعلم أن الصين تقف على نفس المسافة من الجميع، وتحتفظ بقدراتها الدبلوماسية دون أن تكون منحازة لأي جانب على حساب جانب آخر، وهذه دلالة وحقيقة يجب أن تؤخذ بالحسبان بشكل عميق.

الاتفاق الثلاثي جاء بعد حدثين مهمين يمكن ربطهما ببعضهما البعض، أولًا بعد القمة الأولى بين الصين والدول العربية والتي استضافتها المملكة العربية السعودية في ديسمبر الماضي والتي تخللتها قمة صينية سعودية؛ والحدث الثاني أن الرئيس الإيراني قد زار الصين في فبراير الماضي. وفي ظل هذين الحدثين، قامت الصين بلعب دور الوسيط وحث الطرفين للحوار واستئناف العلاقات الدبلوماسية فيما بينهما.

البيان الثلاثي يُبرهن لنا أن هناك توجها بأن تكون منطقة الشرق الأوسط من أولويات الدبلوماسية الصينية في الوقت الراهن، وأعتقد أن المنطقة بما فيها من دول لها علاقة قوية واستراتيجية مع الصين سوف تزداد أهمية بالنسبة للصين، وسوف تزيد أهمية الصين بالنسبة لدول الشرق الأوسط؛ فالمصالح مشتركة، والبناء والتنمية طريق مشترك بين جميع الأطراف. وعلى عكس ما أرادته بعض القوى الغربية للعبث في هذه المنطقة وتأجيج النزاع بين دولها وشعوبها، أرادت الصين أن تكون لها بصمة في إعادة الاستقرار للمنطقة وتحقيق الوضع الآمن الذي يليق بشعوبها ودولها. والصين تدعم دول الشرق الأوسط في التمسك بالاستقلال الاستراتيجي، وتعزيز التضامن والتنسيق، والتخلص من التدخل الخارجي، وتدعو لأن يكون مستقبل الشرق الأوسط مرتبطًا بأيدي شعوبه وحكوماته بعيدًا عن أيدي العابثين والمخربين.

بوجهة نظري أن المساعي الصينية سوف تقابلها توجّهات حقيقية لحل النزاعات والخلافات في الشرق الأوسط، فتحسين العلاقات بين السعودية وإيران يفتح الطريق أمام السلام والاستقرار في المنطقة بأسرها، ويشكل نموذجًا ونقطة انطلاق مهمة لحل النزاعات والخلافات بين الدول من خلال الحوار والتشاور.

وختامًا.. يمكننا القول إن التوصل إلى الاتفاق بين السعودية وإيران هو انتصار للسلام؛ الأمر الذي يثبت أهمية مبادرة الأمن العالمي التي طرحتها الصين قبل سنوات، وها هي اليوم تأتي ثمارها، وأعتقد أن الصين دائمًا ما تدعو إلى حل الخلافات والأزمات من خلال السبل السياسية والدبلوماسية والحوارية والتشاورية؛ إذ إنَّ ذلك يحقق نتائج أكبر وأفضل.

ما حدث في البيان الثلاثي بين السعودية وإيران والصين والذي وجد فيه البعض أمرًا غير متوقع، يدل على أن الحوار يمكن أن يؤتي ثماره، إذا كان الوسيط بين الدول المتنازعة يُريد فعلًا إنهاء الأزمات، وهذا ما تريده الصين حقيقةً، لكن للأسف هناك من يدخل في الحوار من أجل المكاسب وتعميق الخلاف، وأظن أنَّ ما حدث من خلال هذا الاتفاق قد يكون نموذجًا لحل الأزمة الأوكرانية، فمن يدري ربما نجده واقعًا ملموسًا في قادم الأيام، خصوصًا وأن الصين من جانبها تسعى جاهدةً لإنهاء هذا الصراع وتضع ثقلها العالمي لحفظ السلام والسلم العالمي.

** صحفي في مجموعة الصين للإعلام، متخصص بالشؤون الصينية وبقضايا الشرق الأوسط والعلاقات الصينية ـ العربية.