فلسفة حل المشكلات

 

مرفت بنت عبدالعزيز العريمية

 

متى آخر مرة توقفت لبرهة وحاولت أن تفكر في أسباب حدوث المشكلة؟ متى أعترفت بأن هناك مشكلة أو خطأ ما يُسبب تكرار المشكلة؟

تتكرر نفس المشكلات، مرارا وتكرارا ولا نعلم أسباب تكرارها وقد يعزو البعض التكرار إلى أن الحلول المقدمة كانت فاشلة، لكن الحقيقة أن معالجة المشكلات، لم تتم بالطريقة المناسبة بمعنى آخر لم تعالج المشكلة من جذورها فقط أزلنا إفرازات المشكلة ونتائجها .

عند حدوث أية مشكلة نجد أنفسنا نفكر كثيرا فيها وعادة لا نصل إلى حلّ، غالبًا يكون السبب أننا قد تعمقنا أكثر من اللازم إلى داخل المشكلة لدرجة أصبحنا نعيش معها كجزء منها، وتختفي المشكلة ونعتقد أنها قد حُلت أو اختفت مع الوقت .

المشكلات أنواع بعضها بارزة نراها بالعين المجردة كالصخور التي تطفو على سطح الماء، وبعضها تشبه الصخور تحت الماء لا تراها السفن بالعين المجردة إلا عبر أجهزة استشعار تحت الماء، فهي تسبب الضرر بشكل مفاجئ ولا تترك لنا مجالا للتفكير في حل سريع، وهذا النوع يعد أكثر خطورة .

تحديد وصياغة المشكلة له أصول وقواعد، لأنَّ تحديد أصل المشكلة يعني وضع حلول مناسبة وعدم الدقة في تحديد ماهية المشكلة يؤدي إلى استمرار المشكلة وتكرارها بعد تنفيذ الحلول.

نماذج كثيرة من حولنا لمشكلات لم تعالج من جذورها ونراها تكبر ككرة الثلج ونحن توقّعنا أن الحلول التي وضعت كانت كفيلة بمعالجتها لكن نتفاجأ بعد حين بأنَّ المشكلة قد أصبحت كبيرة للغاية ولا يمكن حلها بنفس الحلول المطروحة .

الحل دومًا يكون أمامنا لكننا قد لا نرى الحلول من كثرة تركيزنا على المشكلة، في إحدى مصانع الصابون باليابان اكتشفت الإدارة أنَّ هناك صناديق لم تعبأ وبقيت فارغة فاقترح فريق المسؤول أن يتم وضع جهاز للأشعة السينية للكشف عن الصندوق الفارغ، ومن ثم يقوم العمال بإبعاده عن خط الإنتاج، نفس المشكلة حدثت لكن في مصنع آخر فوضعت الإدارة مروحة تم ضبطها باتجاه خط الإنتاج وعلى حسب وزن الصندوق الفارغ، فإذا كان الصندوق فارغًا يسقط فورًا من قوة الهواء، وبالتالي حلت المشكلة. نفس المشكلة كان لها أكثر من حل، إن أول إنسان رفض أن ينصاع للأفكار المقولبة والحلول الجاهزة واختار أن يفكر بشكل مختلف هو من صنع الفلسفة وطرائق التفكير وأصبح يلقب بالفيلسوف وأحياناً كانوا ينعتون بالجنون لأنهم يفكرون بشكل جديد غير معتاد في زمانهم.

يقول جورج برناردشو الأديب الإيرلندي الشهير: "إن الحياة المليئة بالأخطاء تستحق التقدير وهي الأكثر فائدة والأفضل من حياة فارغة من أي عمل". ومن أسباب الفشل في إيجاد الحلول أننا اعتدنا على الحلول المتوارثة والتقليدية والجاهزة، فلا نسعى إلى رسم عدة سيناريوهات لكل مشكلة حتى وإن كانت المشكلة هي مشكلة قديمة ومتكررة، لا يعني أن الحل السابق قد نجح قبل عقود أنه قد ينجح اليوم أو أن الحل نفع في مجتمع ما أنه قد ينفع في كل المجتمعات، لأن هناك تفاصيل ومُعطيات لكل زمن ومكان.

أحيانا في اللاوعي نكوّن حلولا وأنماطا تفكير للمواقف المختلفة وعند حدوث المشكلة نستخرج من الصندوق الذي يكمن في العقل المقترحات والأفكار، فلا نمنح أنفسنا وقتاً للمس الواقع وإعادة رسم الأحداث بدون تأثير للأنماط السابقة.

ويتميز الناجحون بقدرتهم الإبداعية على حل المشكلات وتجاوز التحديات، فلكل مشكلة حل،  وحل المشكلات عملية متكاملة لا تأتي في خطوة واحدة بل عدد من الخطوات المتسقة، وليس كل إنسان يمتلك نفس المهارة في حل المشكلات فهناك أشخاص لديهم رؤية وبصيرة وقدرة على رؤية الحلول في كل مشكلة، هؤلاء يطلق عليهم مسمى المفكرين العقلانيين، الذين لديهم قيم وقناعات تصنع أفكارا ذات جودة تحمل قناعات إيجابية ويتخذون قرارات إيجابية أيضا، هذه الشريحة من البشر متواجدون في كل مكان يتميزون بملكة فريدة ووعي عميق، يحكمون عقولهم قبل عواطفهم يميزون بين الحقائق يراعون القيم الأخلاقية، ويتحلون بالوضوح والصدق في التعامل ويكثرون من طرح الأسئلة للتوصل إلى الإجابات، متسامحون وأذكياء، لديهم قدرة على التنبؤ بمستقبل الأحداث وفق معطيات الحاضر والماضي، لديهم القدرة على التكيف والتغير، ليس شرطًا أن يكونوا أصحاب مؤهلات تعليمية معينة أو تخصصات علمية، قد يكون أي إنسان تدرب على طرائق التفكير العلمي وتحليل الأشياء بمنطق وعقل؛ فالقدرة على التفكير السليم، وتفعيل العقل على نحو يكون أفكارا واعية، ومترابطة وسبر أعماق الأمور، ووضع كل شيء في الحسبان هو ما يقود الإنسان إلى المعرفة والسير إلى الأمام، وانحراف الإنسان عن هذا المسار يعود بنا إلى التراجع والتقهقر إلى الوراء، فنصبح أكثر عنفاً وحماقة.

أية مشكلة هي تجربة غنية وتحد جديد للعقل، نختبر فيه مهاراتنا وقدرتنا على إدارة الأزمات، المشكلات ليست وقتاً للإحباط والتراجع وجلد الذات والغرق في دوامة الخوف، إنه الوقت الأمثل لتنمية قدراتنا على اكتشاف الحقائق الجديدة في رحلة بحثنا عن الحقيقة التي بدأت مع الإنسان الأول في رحلته في هذا العالم.

نعيش في وقت استثنائي كثير التحديات والمواقف الصعبة، مرحلة قد نفقد فيها التوازن من جرّاء الأحداث المتتالية، إنه الوقت الأمثل للقضاء على العزلة الفكرية والانغلاق على ما هو متوارث من أفكار، إنها المرحلة التي تستوجب تشغيل العقل حتى نتمكن من التفريق بين الغث والسمين من الأفكار، حتى نتمكن من الوصول إلى الحقيقة وإيجاد حلول لمشكلاتنا؛ فالمشكلات تتكاثر وتتأزم إن لم تكن الحلول جذرية ولا حلول جذرية بدون تفكير عميق وفهم أكبر لطبيعة المشكلات.

الحياة ليست مثالية، والمشكلات تكسبنا الخبرة وتنشط العقل؛ فالأبحاث تؤكد أنَّ المخ يتعلم وينمو مع التجارب والتحديات.