قانون التقاعد المرتقب بين التفاؤل والغموض

 

ناصر بن سلطان العموري

abusultan73@gmail.com

ما زال مشروعا قانوني التقاعد والحماية الاجتماعية حديث الساعة، ويشغل الناس مُسببًا الحيرة في تفكير المُقبلين على مرحلة التقاعد أو حتى من لا يزالون في الخدمة، ينتظرونه بفارغ الصبر، ويخالط ذلك توجس مما يُبث من تسريبات أحيانًا وشائعات من هنا وهناك، ما يتسبب في زيادة ضبابية الصورة، التي لا يمكن رؤيتها بوضوح، وكل هذا ولَّد حالة إحباط من أن مستقبل الموظف أو المتقاعد غير واضح، أو قد يكون عكس ما يحلم به كل فرد، إذ نأمل جميعًا أن يصدر قانون ينقل الموظف والمتقاعد لحياة أفضل وأجمل وأكثر إشراقًا.

مؤخرًا اشتعلت مواقع التواصل الاجتماعي بعد تداول منشور يوضح كيف سيكون نظام الحماية الاجتماعية وما يحتويه من حماية للمتقاعد، وأُشبع الموضوع نقاشًا وبحثًا وتحليلًا، وأصبح الكل متخصصًا في أنظمة صناديق التقاعد والحماية الاجتماعية قانونيًا وإداريًا. منشور مُكوَّن من قرابة 80 صفحة حُشرت فيها أصناف الكلمات والمصطلحات، وقوبل فور تداوله باستياء شعبي كونه في نظر الأغلبية- وإن صح غير عادل ومجحف بحق المُتقاعِد.

لا أزعم أني اطلعت عليه بالكامل؛ بل إني قد أغلقته فور مشاهدتي للعدد الكبير من الصفحات واكتفيت بما تم تداوله من ملاحظات وملخصات لمشروع القانون عبر مواقع التواصل، حتى وإن كان الموضوع يهُمني كوني من الفئة المستهدفة التي تجاوزت أكثر من 20 سنة في الخدمة، تلك الفئة التي يهمها ويشغلها نظام التقاعد حتى في المنام، ولم لا؟! فالتفكير في مرحلة ما بعد التقاعد هو أكثر همًّا وقلقًا من التفكير أثناء الخدمة؛ فهناك سيفقد الراتب بريقه ويضعف وزنه إجباريًا لا إراديًا، وسيواجه المُقبل على التقاعد أصنافًا متنوعة من مصاعب الحياة، ويصبح لزامًا عليه أن يُفكِّر في تعويض نقصان الراتب بأي وسيلة كانت، حتى وإن استدعى الأمر العمل تحت أشعة الشمس الحارقة أو في ساعات الليل الساهرة؛ فالحياة كفاح وصبر وشقاء.

طبعًا يستثنى من هذا القانون المرتقب المتقاعدون المُنعَّمون برواتب يسيل لها اللعاب وتنفتح لها الشهية ويبتسم لها الثغر، رواتب تغنيهم- بل وتريحهم- عن التفكير في القادم من مستقبلهم لما بعد التقاعد، فأمثال هؤلاء قد ضمنوا حياة وردية حالمة، فترى الواحد منهم لا يفكر في قسط بنكي أو في مصاريف حياتية؛ فالخير وفير والرزق عميم.

يجب أن يدرك المسؤولون عن صياغة هذا القانون تمام الإدراك أن المواطن المُقبِل على التقاعد أو حتى الموظف الحالي لا يريد سوى ضمان مستقبله في المرحلة المتبقية من عمره، لا أن تشغله الهموم وتخالطه الوساوس والظنون حتى تهجم عليه أمراض العصر من التفكير وضرب أخماسٍ في أسداسٍ... المواطن قد لا يهتم إن كان هناك عجز في صناديق التقاعد طالما أنه ملتزم بدفع مستحقات التقاعد طيلة سنوات الخدمة. وما يريده المواطن هو الإنصاف، وأن يظهر القانون المرتقب عادلًا مرنًا يراعي التضخم وارتفاع الأسعار مستقبلًا، وأن تكون هناك مراجعة- على الأقل كل 5 سنوات- للمعاش الممنوح، على أمل زيادته بشكل تدريجي، وفق المُعطيات، عندئذٍ يستشعر المواطن أن الدنيا ما زالت بخير، وأن أي موظف أفنى زهرة شبابه وبذل رحيق عمره سيلقى التكريم الذي يليق بما بذله من جهد جهيد في سبيل خدمة وطنه.

على الجهات ذات العلاقة أن تبثَّ بيانَ اطمئنانٍ تقول فيه إن ما تم تداوله مجرد مسودة للقانون وليس الصيغة النهائية، وأنه سوف يخضع للعديد من التعديلات التي ستكون في صالح المواطن، فأن يتأخر القانون ويأتي في حلة زاهية مُبشِّرة أفضل من أن يتم صياغته على عجلٍ، لما يمثله الوضع من حساسية تتعلق بالمصير القادم لأغلب المواطنين؛ فالجميع يترقب صدور القانون وأيديهم على قلوبهم.. جعلها الله بشرى خير.