المواطن يسأل!

 

علي بن سالم كفيتان

لا شك أن المواطن يُدرك الوضع المالي الصعب الذي مرت به بلادنا مثل بقية بلدان العالم خلال العامين الماضين، وينظر إلى الخطوات التي اتخذتها الحكومة في سبيل معالجة هذا الوضع بعين الصبر والترقب؛ ففي الوقت الذي بدأت فيه السياسة المالية الصارمة تؤتي أُكلها بتعافي الوضع المالي للبلاد، وارتفاع مستوى التصنيف الائتماني إلى مستويات تصف الوضع المالي بالمستقر المتجه نحو النمو، يسأل المواطن عن نصيبه من هذا التعافي المالي، ويرى أنه إذا لم يصل هذا التغيير إلى جيب الإنسان العادي، فلن يكون محققًا للهدف الأسمى نحو الرفاه الاجتماعي.

قد يكون الوقت مُبكرًا- كما ترى الحكومة- ولكن حجم الضغط بات كبيرًا على كاهل الكثيرين؛ فمعظم الإجراءات التي تم اتخاذها- إن لم تكن كلها- تمر على جيب المواطن عبر رسوم وضرائب، إلى جانب قلة الوظائف.

لا يمكن إقناع الناس بالأرقام والمؤشرات التي تُصنِّف وضعنا المالي من الخارج وترسم له صورة وردية، بينما الأمر في الداخل يبدو مختلفًا؛ فالمواطن لديه مؤشرات مختلفة، أبرزها: حجم التغيير في راتبه الشهري، ومقدار الحماية الاجتماعية التي يتلقاها مقابل ارتفاع الأسعار ورفع الضرائب. وكمجتمع صغير لا يتعدى عدد سكانه 4.5 مليون نسمة؛ منهم 2.8 مليون عُماني، وتُصنَّف بلاده ضمن الدول المنتجة للنفط والغاز، ناهيك عن الميزات النوعية الأخرى كالموقع الجغرافي وتوفر الثروات المعدنية والحيوانية والسمكية، وأنها واحدة من أفضل البلدان من حيث الوجهات السياحية المفضلة في العالم.. كل ذلك يدفع المواطن لطرح تساؤلات حول الوضع الراهن، ويأمل الإجابة عليها بكل شفافية.

آن الأوان للكشف عن نتائج مؤشرات الأداء والنظر إليها بعينٍ محايدة وفاحصة، ولعله من الأهمية مراجعة بعض مسارات التخطيط التي انتهجتها بعض المؤسسات الحكومية من خلال رسم التصورات المستقبلية لما يمكن فعله وكيفية تحقيقه وفق الموارد المتاحة؛ سواءً أكانت بشرية أو مالية، مما يتيح مجالًا للمحاسبة، في حين لا يجب أن يخشى المسؤولون من المحاسبة لدرجة إضعاف المؤسسات، من خلال إصدار قرارات في مجملها مؤقتة وليست ثابتة، وخاصةً عند التعيين في المناصب المُهمة. وقد يتفق معي البعض أن نصف المرحلة السابقة كانت مرحلة الندب، فالكثير من التعيينات تعقبها كلمة "بالندب"، وهنا نجد أن المسؤول المندوب لا يشعر بالأهلية الكاملة لشغل المنصب، مما قد يخضعه للشعور بوقتية المنصب وهذا بدوره ينعكس على من يرأسهم والخدمات المقدمة للمجتمع في النهاية؛ فالجميع منتدبون لوظائف لا يعلمون ما إذا كانوا سيشغلونها أم لا، وعليهم التحرك في هذا الحيز مع موظفين أنهكهم الوقت وطالت عليهم السنوات دون ترقيات أو علاوات، ويتطلب منهم الركض خلف أهداف وخطط لكي يثبتوا أهليتهم للظفر بترقية بعد مرور أكثر من عشر سنوات على آخرها.

لا يمكن أن ننتهج المبدأ الرأسمالي النفعي البحت الذي تطبقه الدول الغربية في ظل مشاركة مجتمعية محدودة في صناعة القرار؛ فالإنسان الغربي يدفع الضرائب على كل نواحي حياته اليومية، لكنه يملك الأدوات الرقابية الكافية لمحاسبة أي مسؤول أو مؤسسة تخفق في أداء واجبها.

إنَّ اللامركزية التي عبَّر عنها حضرة صاحب الجلالة السلطان المعظم- أيده الله- في لقاءاته المتكررة بالمشايخ ومجتمع الأعمال، تهدف لمنح صلاحيات أعلى خارج المركز، إضافة لزرع الثقة في المحافظات لتعظيم مقوماتها الطبيعية والبشرية لرفع مستواها الاقتصادي ورفد الخزينة العامة للدولة بموارد مستدامة قوامها الإنسان العُماني وفكره الخلاق من خيرات عُمان، التي تبدأ من الاستقرار الأمني وتنتهي بتنوع الثروات والموارد؛ بما فيها المورد البشري، الذي قامت عليه أمم ونهضت دون أن تمتلك موارد طبيعية، كاليابان وكوريا وماليزيا.

ورغم كل ذلك التمكين الذي يؤكد عليه المقام السامي- نصره الله- ما زالت الخطوات في المحافظات دون الطموح المنشود، ونجدها تميل نحو المركزية مجددًا، ومن هذا المنطلق على المحافظين أن يقدموا رؤيتهم لحل التحديات التي تواجه محافظاتهم، وتطبيق الحل أو جزء منه في تلك المحافظات.. وحفظ الله بلادي.