التفكير بين ثقافتين

 

أحمد بن موسى البلوشي

 

جميعنا يُدرك أننا نعيش في عصر الانفجار المعرفي، عصر أصبحت فيه العلوم مسيطرة على الكثير من مجريات الحياة، كل هذا يؤدي إلى وجود ثقافة تفكير جديدة بين أبناء هذا الجيل من الشباب، الثقافة التي تتناسب مع المجتمع والتقدم الحاصل فيه، ثقافة تكاد تكون مختلفة عن ثقافة الجيل السابق، بل يجب على الأجيال السابقة تبني هذه الثقافة والتعايش معها، وذلك من أجل الإبداع والحداثة والتطوير.

وإن كان هناك الكثيرون الذين ينتقدون الثقافة الشبابية الحالية، ونحن نشاطرهم في بعض هذه الانتقادات، لكن لابُد أن نعي أن التطور الحاصل في أغلب أوجه الحياة يتحتم علينا أن ننسجم ونُقوم هذه الثقافة الشبابية بما يتناسب مع الذي يحصل ويدور في هذا العالم.

الكل يعلم ويجزم بأنَّ الثقافة التفكيرية قد تغيرت وبشكل كبير بين الجيل الحالي من الشباب والجيل السابق، وبسبب التطور العلمي والتكنولوجي أصبحت هذه الفوارق واضحة للعيان وبصورة كبيرة، ونعلم جميعًا أن لكل جيل من هذه الأجيال ثقافة مختلفة وأسلوب تفكير مختلف بسبب الانفتاح الحاصل، واختلاف الكثير من الأشياء التي نراها الآن وفي السابق، لذلك من الطبيعي أن نرى تفكير هذا الجيل من الشباب مختلفا وثقافته مختلفة، وعليه من الخطأ الفادح أن يكون لابني مثل ثقافتي وتفكيري، فعندما ترى الأب يقول لابنه أريد تفكيرك أن يكون مثل تفكيري، هذه مغالطة كبيرة في حق هذا الجيل، نعم نحن كأولياء أمور يجب علينا توجيههم وتقديم النقد البناء لهم من أجل مستقبلهم ومستقبل الوطن، ولكن ليس من حقي أن أرغمهم على ثقافتي وتفكيري، فثقافة الشخص وتفكيره قبل عشر السنوات تختلف الآن ولأسباب كثيرة. لذلك تُعرف الثقافة الإنسانية على أنها: "مجموعة من القدرات المعرفية والفكرية لدى كافة المفكرين والدارسين والقارئين تمنحهم إدراكاً بكافة بالأمور، وتتيح لهم الفرصة لفهم الواقع الذي يعيشون فيه بشكل جيد والإحاطة به".

الشباب من أكثر الفئات الاجتماعية حساسية لمستواهم الفكري ووضعهم الاجتماعي، فهي الفئة التي تعول عليها الدول للمرحلة المستقبلية، وذلك لقوة تأثيرهم في المجتمع وفي كل النواحي، لذلك أصبح موضوع تمكين هذه الفئة في جميع القطاعات من أهم الأولويات التي يجب على الدول أن تسعى لها، إلا أنه أحيانا هناك بعض التحديات التي نراها على أرض الواقع ومنها الثقافة الفكرية، ونحن حاليًا نعيش صراعا بين ثقافتين: ثقافة الجيل السابق وثقافة الشباب، والذي يفرق بينهما بأن الجيل السابق متمسك بثقافته الفكرية ومن الصعب أن يتنازل عنها بحكم أنه عاش معها فترة طويلة من الزمن، أما هذا الجيل من الشباب فثقافته حديثة وجديدة، ويمكن تطويرها بناء على التطور الحاصل بالمعرفة والتكنولوجيا.

لذلك نقول للجيل السابق لا تعلموا هذا الجيل وتورثوهم ثقافاتكم، الشباب عصب الأمم وأساس تطورها لذلك تجد كل الدول تركز على هذه الفئة، فهذه الثقافة الفكرية يصنعها الإنسان بنفسه، ولا يمكن أن نورث هذا الجيل كل ما صنعناه من ثقافة سابقة، يجب أن نترك لهم حرية صناعة الثقافة، فثقافة أي فرد من أفراد المجتمع تتوقف على ثقافة الفئة والبيئة المحيطة به سواء كانت الأسرة أو بيئة المجتمع أو الأصدقاء، فمثلًا إن كانت ثقافة رب العمل استخدام الأوراق في كل شيء، فليس من الصحيح أن تورث وتكسب هذه الثقافة لشباب هذا الجيل الذي يعملون معك، نحن في زمن الثورة الصناعية الرابعة، والذكاء الاصطناعي، والتقانة وصلت لمدى بعيد جدًا، هذا مجرد مثال توضيحي.

وعليه.. يجب على الجيل السابق في مخاطبته وتعامله مع هذا الجيل أن تتسم بالنقدية والتوجيه مع كل هذه المتطلبات والتطورات الحاصلة، وعدم إجباره بثقافته التي تربى عليها وربما الكثير منها لا تناسب هذا الوقت.

تعليق عبر الفيس بوك