الكاتب.. ووظائف المستقبل

 

د. سالم بن عبد الله العامري

ستشهد خريطة الوظائف في المُستقبل تغيرًا ملحوظًا، ففي حين سيتزايد الطلب على بعض الوظائف، ستختفي وظائف أخرى من الخريطة، وبخلاف الاعتقاد السائد بين أوساط المجتمع، وكذلك بعض الدراسات التي تدرس اتجاهات السوق لدى أغلب الشركات والمؤسسات، التي تشير إلى أن الوظائف الأكثر طلبًا بشكل أكبر، عادة ما تكون تلك المتعلقة بالتقنيات الجديدة، ويتمتع أفرادها بمهارات رقمية وتكنولوجية لتنفيذ التحول الرقمي والاستفادة القصوى من التقنيات، إلّا أن الكثير من الجمهور حول العالم كانت له وجهة نظر مختلفة؛ إذ ما زال يرى في بعض الوظائف التقليدية- إن جاز التعبير- سحرها وجاذبيتها لتكون وظائف المستقبل، وربما تستمر لحقب زمنية مقبلة.

لهذا.. تساءلت جريدة "ديلي ميل" البريطانية في عددها الصادر بتاريخ 26 يناير الماضي عن أهم الوظائف الأكثر شعبية في جميع أنحاء العالم تحت عنوان.. ما يريد العالم أن يفعله من أجل لقمة العيش؟ حيث أظهر التحقيق الذي أجرته الجريدة على الخريطة - التي تم إنشاؤها باستخدام بيانات بحث لمدة 12 شهرًا - بعد أن تم استكمال أسماء البلدان بالوظائف التي يرغب سكانها في الحصول على معلومات عنها بهدف التغيير الوظيفي. كشفت الخريطة عن تصدر وظيفة "الطيار" المرتبة الأولى في العالم في عام 2023م، وهي الأعلى في 25 دولة بشكل عام، وخاصةً في الولايات المتحدة الأمريكية، والمملكة المتحدة، وأستراليا، ووفقًا لتحليل بيانات البحث، لم تفقد المهنة شيئًا من جاذبيتها وشعبيتها.

وتأتي في المرتبة الثانية وظيفة "الكاتب" وتحتل مرتبة متقدمة في عدد كبير من البلدان أبرزها: الدول الإسكندنافية وكذلك في دول مثل اليونان، والهند، ونيوزيلندا، وجنوب إفريقيا. والكاتب هو ذلك الروائي والشاعر والمؤرخ والمفكر والناقد في شتى العلوم الطبيعية والإنسانية، وهو في عصرنا الحالي المدون الإلكتروني والإعلامي الذي يكتب وينقل الأحداث الجارية؛ فالكتابة بدأت من الرسم والحفر على اللوح والحجر، ثم اختراع الورق والقلم، وصولًا الى الطباعة والبرمجيات المتعددة، ساهمت إسهامًا مباشرًا في تدوين وتوثيق ما حدث عبر التّاريخ من أحداث، كما ساهمت في نقل المعرفة والعلوم المختلفة عبر الأجيال المتعاقبة.

وانتشار ثقافة الكتابة وتأليف الكتب والإقبال على هذا المجال في شتى العلوم المختلفة، إنما يدل على ثقافة الشعب، وحضارته، وتطوره. وطالما ظلت الكتابة هي الأداة، والوسيلة في نقل المعرفة وتبادل المعلومات وتقارب الشعوب والأمم؛ فإنها بلا شك ستظل حاضرة في حياة الشعوب، وإن تغير شكلها بتغير أدوات المرحلة أو العصر، الشيء الذي يجعلنا متفائلين ببقاء واستمرارية مادة الكتابة، وعناصرها المتعددة، على المدى البعيد، رغم النظريات التي تدعو إلى هيمنة عصر الروبوتات، وما يعرف بالذكاء الاصطناعي على المرحلة القادمة من المستقبل.

وعودة إلى تقرير التحقيق، فقد كشف التحقيق أن الوظائف في قطاع الفنون، والثقافة، والترفيه أثبتت أنها الأكثر شعبية بشكل عام في مختلف دول العالم.

وفي المركز العاشر يأتي المُعلِّم، وإن كان في مرتبة متأخرة بعض الشيء في دلالة ربما نتيجة ثورة المعلومات والتقنيات التي يشهدها العالم، وتوفر بدائل في مجال التعليم والتعلم؛ كالتعليم عن بعد، أو ما يعرف بالتعليم الإلكتروني؛ الذي ربما سيقلل الاعتماد على المدرسة في المستقبل! في حين غابت وظائف طالما كانت حلم الطفولة لدى الكثيرين في مختلف أنحاء العالم مثل "الطبيب" و"المهندس"، وذلك نتيجة التحولات التي يشهدها العالم حاليًا!

وكنتيجة للتقدم التكنولوجي، والتغيرات التي نشهدها؛ فإنَّ الطلب على الوظائف لا شك سيتغير، لذا، لا بد من التفكير والتخطيط بعناية في وظائف المستقبل لتكون متوافقة مع احتياجات السوق، ووفقًا لرغبات واتجاهات أفراد المجتمع، والمؤسسات بناءً على دراسات وتقارير علمية، وعملية حديثة. والعمل على تطوير المعارف والمهارات اللازمة للموظفين لتواكب التطور وتلبي احتياجات العملاء والجمهور.

تعليق عبر الفيس بوك