"اضطرابات الأكل" تهدد بالوفاة! وهكذا ينصح الخبراء

◄ صراع نفسي بين سلوكيات الطعام ومظهر الجسد.. ومتخصصون يحذرون من التمادي في "جلد الذات"

◄ البلوشية: تبدأ مشاكل اضطرابات الأكل بالاهتمام بمظهر الجسم وإطالة النظر في المرآة

◄ النعماني: اضطراب الأكل يصنف ضمن المشاكل النفسية وقد يؤدي إلى الوفاة

◄ العثمان: على الآباء مراقبة طعام أبنائهم والتركيز على الأكل المفيد

 

الرؤية- سارة العبرية

تعد اضطرابات الأكل حالة مرتبطة بسلوكيات التغذية الخاطئة والمُستمرة، ما يؤثر سلبا على الحياة الطبيعية  للفرد وعلى صحته النفسية والجسدية، ويرجع ذلك إلى أسباب منها الجينات الوراثية وعادات الأكل السيئة والهوس بالكمال والنحافة وضعف الشخصية والتنمر بسبب شكل الجسم.

وتحتفل منظمة الصحة العالمية كل عام بالأسبوع العالمي لاضطرابات الطعام في 28 فبراير وحتى 6 من مارس، عبر تنظيم مجموعة من الفعاليات والأنشطة المتنوعة مثل المحاضرات وورش العمل والتجمعات العامة، بمشاركة العديد من الأطباء والمختصين في هذا المجال، لتعريف الجمهور بأهمية العلاج والدعم النفسي والعلاج السلوكي المعرفي والعلاج النفسي الأسري والمجتمعي، وللتوعية  بالآثار السلبية للاضطرابات الغذائية المختلفة وكيفية الحصول على الدعم والعلاج اللازم للتغلب على هذه المشكلة.

ويقول الدكتور عبدالعزيز العثمان أستاذ واستشاري التغذية السريرية بالمملكة العربية السعودية، إن اضطرابات الأكل تُعد قريبة من المرض النفسي وتحتاج إلى علاج طبي وأخصائي مختص في التغذية العلاجية أو السريرية، لأنها مشكلة نفسية متعلقة بالسلوك الغذائي.

أ.د. عبدالعزيز العثمان.jpg
 

ويضيف"هناك أشخاص لا يحبون أجسادهم، لذلك يركزون بشكل مفرط على الأكل وشكل الجسم والوزن، وتصاب النساء بهذه المشكلة النفسية أكثر من الرجال، وتكثر هذه المشكلة في الفئات العمرية حتى 17 عامًا، وقد يكون الأمر متعلقا بالوراثة والتاريخ العائلي والمواقف التي يتعرض لها الشخص مثل التنمر، أو الاعتماد على أكلات غير صحية".

ظهور الأعراض

وتبيّن ميمونة بنت محمد البلوشية مدرب معتمد في علوم التغذية، أن أعراض هذه المشكلة تختلف على حسب نوع الاضطراب، إلا أنها تبدأ باهتمام مبالغ بشكل الجسم والوزن والرشاقة، فينشغل المريض بمراقبة جسده وهيئته ويبدأ في التدقيق بوزنه يوميًا، كما أنه يطيل النظر إلى جسده في المرآة، لينتقل إلى مرحلة أخرى تظهر فيها مجموعة من الاتجاهات والسلوكيات والمشاعر المتعلقة بالأكل، والتي تتضمن الانشغال بالطعام واتباع نظام غذائي وحساب السعرات الحرارية ورفض تناول أطعمة معينة مثل الكربوهيدرات أو الدهون.

ميمونة البلوشية.jpeg
 

وتشير إلى أن هناك حالات يتجنب فيها الأشخاص الأكل أمام الآخرين أو الحديث عن الأطعمة في التجمعات، وقد تصل بهم للقيام بسلوكيات تعويضية للتخلص من السعرات الحرارية الزائدة كممارسة الرياضة بشكل مفرط جدا، وأخذ أدوية الإسهال أو التقيؤ المتعمد، كما أن هناك حالات أخرى تصيبها نوبات أكل زائدة فتقوم بارتداء الملابس الفضفاضة لإخفاء الجسد، كما أنَّ هذه الحالات تصاب بحالة من اضطرابات المشاعر مثل الخوف والقلق بسبب الوزن.

ويرى الدكتور عزيز النعماني أخصائي أول طب نفسي وعصبي بمستشفى جامعة السلطان قابوس، أن الاختلال فى سلوك تناول الطعام وعدم الانتظام فى تناول الوجبات ما بين الامتناع القهري عن تناول الطعام أو التكرار القهري لتناول الطعام في غير مواعيده وذلك بكميات متزايدة عن احتياجات الفرد، يأتي نتيجة للانشغال المفرط بوزن وشكل الجسم، مما يؤدي لممارسة سلوكيات خطيرة في تناول الطعام، ووضع طقوس لتناول الطعام مثل تناول أطعمة معينة أو المضغ المفرط.

د. عزيز النعماني.jpg
 

علاقة الاضطراب بالحالة النفسية

ويوضح النعماني أن الاضطراب يصنف ضمن المشكلات الصحية النفسية، وذلك بسبب المضاعفات الناتجة عنه؛ حيثُ إنه كلما ازدادت شدة الاضطراب أو ازدادت مدته ازدادت احتمالية ظهور أعراض خطيرة منها الاكتئاب والقلق والتشنجات وصعوبة التركيز ومشاكل الذاكرة واضطراب إساءة استخدام العقاقير ومشكلات في العلاقات الاجتماعية، فضلا عن المشاكل الجسدية منها مشاكل القلب والأوعية الدموية والعضلات والمشاكل الجنسية، وأيضا مما يسبب مشاكل في الأمعاء وقد تؤدي هذه المشاكل الجسدية إلى حالة الوفاة.

ويشير العثمان إلى أن هناك 4 أنواع رئيسية لاضطرابات الأكل، ويسمى الأول بفقد الشهية العصبي  أو "القهم" وهو من الأمراض المنتشرة إذ يعدُّ نوعا من الصرامة على الجسم حين يرى الشخص- وخصوصا النساء- نفسه في المرآة سميناً لكنه في الحقيقة يعاني من الضعف أو الخوف من الوصول إلى مرحلة السمنة، فيبدأ في هجر الأكل وإرهاق النفس في التمارين الرياضية الشديدة حتى ينحف الجسم بشكل مبالغ فيه.

أما النوع الثاني فهو الشره أو "النهم"، والذي يتمثل في قيام الشخص بتناول الطعام ثم يستفرغه مرة أخرى، وأن هذا النوع من الممارسات يسبب العديد من مشاكل العظام وضعف الأسنان وظهور روائح كريهة في الفم، ويسبب أيضا التهابات في المريء، لتبدأ بعد ذلك مرحلة عدم توازن الجسم والدخول في نوبات من الاكتئاب والقلق والتوتر وعدم الثقة بالنفس وعدم محبة أجسامهم.

ويعد النوع الثالث من أكثر الأنواع انتشارا وهو اضطراب الاجترار، بأن يمضغ الشخص الأكل ولا يبلعه، أما النوع الرابع فهو اضطراب الأكل القهري عبر تناول كميات كبيرة من الطعام حتى لو لم يكن لدى الشخص شهية لتناول الطعام، ويصاب هذا النوع بأمراض القلب والشرايين ومشاكل في الكلى وفي الجهاز الهضمي قد تصل أحيانا إلى الوفاة.

وتعتقد ميمونة البلوشية أن هناك العديد من العوامل التي تتسبب في إصابة الشخص باضطرابات الأكل ومنها الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي لأنهم يتحملون جزءا كبيرا من المسؤولية لتأثيرهم العميق في وعي الإنسان وتفكيره وانفعالاته، بالإضافة إلى عوامل أخرى مثل المشاكل الأسرية والشخصية، أو وجود تاريخ لتعرض الشخص للمضايقات والسخرية كالتنمر على شكله وهيئة جسمه، وكذلك وجود تاريخ لتعرض الشخص لاعتداءات جنسية وجسدية، أو تعرضه لضغوط مجتمعية ونفسية أو التغيرات التي قد تحصل في الدماغ وتؤثر على عملية الشعور بالجوع والشهية والهضم فتكون غير متوازنة.

مراحل اضطرابات الأكل

يشدد الدكتور عبدالعزيز على أهمية مراقبة الأبناء في أكلهم، موضحا: "على الوالدين متابعة الأولاد ومعرفة طبيعة الطعام الذي يتناولونه، لأن كثيرا من الأبناء يتناولون أطعمة دون عناصرغذائية ويقتصر طعامهم على السكريات التي تحتوي على سعرات عالية، بالإضافة إلى الوجبات التي يوجد فيها نوع من الدهون وما يسمى بالوجبات "الخاوية"؛ أي خاوية من الفوائد مثل المشروبات الغازية والقهوة والشاي والكيك والدونات والبيتزا وبعض منتجات اللحوم، وعندما يدخل الإنسان هذا الممر المظلم لاضطرابات الأكل يصعب عليه التراجع ويبدأ في العزلة، ويقرأ معلومات غير صحيحة عن الجسم والهرمونات والمكملات وتظهر عليه علامات الضعف الجسدية".

طرق العلاج

ويوجه العثمان بتوعية المجتمع باتباع سلوكيات أكل صحية، مُبينا أن الخطوة الأولى للعلاج الطبي تكمن في التواصل مع أطباء باطنية أو عيادة تغذية، كما أن الأمر يتطلب أحيانا دعما نفسيا ورعاية صحية متكاملة، ويكون ذلك عبر عرض الحالة على متخصص في التغذية السريرية لمتابعتها بشكل مستمر.

ويذكر الدكتور عبدالعزيز العثمان أن علاج هذه المشاكل يحتاج إلى فترة قد تصل إلى 6 أشهر أو سنة، وأن البداية تبدأ من العائلة التي تكتشف الحالة من خلال التواصل المستمر مع الأبناء ومراقبتهم ومن خلال المحادثات والحوارات والنقاشات التي تدور بين أفراد الأسرة.

وتوضح ميمونة البلوشية أن العلاج بالحوار يتضمن الحديث مع أفراد الأسرة حول هذه السلوكيات وأضرارها وتأثيرها السلبي على حياتهم النفسية والصحية ومساعدتهم في ضبط نوبات الشراهة وإقناعهم باستبدال بعض العادات والسلوكيات غير الصحية بالعادات الصحية، والتي قد يندرج تحتها عادات النوم الصحية وبعض العادات الغذائية التي بإمكانها السيطرة على الشعور بالشبع لفترات أطول، مضيفة: "قد يحتاج الشخص إلى بعض أنواع الأدوية منها: أدوية مضادات الاكتئاب والتحكم بالشهية وقد يحتاج أيضا إلى العلاج النفسي الذي يتضمن العلاج السلوكي المعرفي والعلاج النفسي بين الأشخاص والعلاج السلوكي الجدلي، وكل ذلك يكون تحت إشراف المتخصصين".

وتلفت البلوشية إلى أنه يجب اللجوء إلى المتخصصين لأن كل حالة تختلف عن الأخرى، مضيفة: "يجب على من يعاني من اضطراب نهم الطعام الاستعانة بشخص مهني صحي موثوق به كي لا تنتكس حالته وتعود أسوأ من السابق، ومن الضروري جدا اتباع خطط علاج شاملة، والتي تبدأ بمساعدة المريض لتخطي أسباب المشكلة ومساعدة المريض على الانخراط في المجتمع والتعبير عن مشاعره وتحسين حالته النفسية، ثم تحديد وتغيير أفكاره وسلوكيات حول الطعام وأجسامهم، ومساعدة المريض على العودة إلى الوزن المثالي من خلال تعلم عادات الأكل الصحية، ولابد من خطوة تثقيف الأسرة حول المرض وكيفية رعاية الشخص المصاب".

ويقول الدكتور عزيز النعماني إنه لا يوجد علاج دوائي محدد لهذا المرض، ولكن هناك عدة أنواع من الأدوية يمكن استخدامها لعلاج الأعراض المصاحبة لاضطرابات الأكل، موجها بطلب المساعدة من قِبل المختصين لعلاج المشكلات النفسية، وذلك بالعلاج الدوائى والعلاج النفسي، والتوقف عن اتباع الحميات الغذائية؛ حيثُ تُعد السبب الأول في قائمة مسببات اضطرابات تناول الأكل.

كما ينصح باتباع نظام غذائي معتدل وتعزيز الثقة بالنفس في عملية تناول الطعام، موضحا: "يكون ذلك عبر إعطاء نفسك إذناً غير مشروط بالأكل عند الشعور بالجوع، حيث إن الإذن غير المشروط يُخالف تماما اضطرابات الأكل، ويجب عدم الانخراط في السلوكيات السلبية المفرطة المنطوية حول شكل الجسم ووزنه، ويجب تقدير الذات وتجنب الحُكم على الجسم من خلال الشكل وممارسة الأنشطة الرياضية بانتظام".

واختتمت البلوشية حديثها قائلة: "أنصح الأطفال والمراهقين أنه ليس كل ما نراه ونسمع عنه في ما يخص أجسامنا وصحتنا هو صحيح من الدرجة الأولى، ولابد دائما أن نأخذ المعلومة من المصدر الموثوق، فالجسم المثالي لا يعني التفاصيل التي نراها في هيئة عارضي الأزياء وبعض المشاهير؛ فالجسم المثالي  الجسم  يعتبر خليط بين الوزن المثالي والصحة النفسية والجسدية والوزن المثالي هو توافق الطول مع العرض بحيث يؤدي فيه الجسم بأعلى كفاءة وفعالية وبالتالي يحصن نفسه من الأمراض المزمنة، والجمال لا ينحصر تحت مميزات ومقاسات معينه وإنما هو ما ينبع من الداخل حول القناعة والرضى ثم ينعكس خارجا جليا لتظهر صورته بشخص واثق من نفسه، وفيما يتعلق بالمصاب فالمشكلة تكمن في أن أغلب المصابين باضطراب الأكل لا يدركون ذلك ومن الصعب إقناعهم أنهم يعانون من المرض، لذا نصيحتي  لكل أسرة ولكل صديق أن يكون عونا  لمن حوله فيتنبه لأعراض المرض ثم يأخذ بيد المريض لمعالجته في أقرب فرصة كي لا تتفاقم حالته الصحية وتسوء ويصبح من الصعب السيطرة عليها".

تعليق عبر الفيس بوك