قضايا المهاجرين واللاجئين في الخليج إلى أين؟! (2)

 

 

د. محمد بن عوض المشيخي **

 

قضية المُهاجرين في منطقة الخليج العربي واحدة من القضايا الشائكة والتي شغلت الرأي العام العالمي والإقليمي طوال العقود الماضية؛ بما تحمله من تحديات وآثار إيجابية وسلبية على المجتمعات المحلية في دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية، فهناك الهجرة الشرعية التي تحمل الصفة القانونية، وهي موضوع الورشة والحلقة النقاشية التي عقدت بتاريخ 2 مارس الجاري؛ ونظمها كل من "المركز الإقليمي للاجئيين والمهاجرين" ومقره لبنان؛ والذي يهدف بالدرجة الأولى إلى مكافحة العنصرية ضد المهاجرين في الشرق الأوسط.

ويعمل المركز في نفس الوقت على ترويج قضاياهم وإبرازها في وسائل الاتصال الجماهيري، من خلال توحيد الخطاب الإعلامي والمفاهيم والاصطلاحات المستخدمة في الساحة الإعلامية؛ وذلك لضمان تغطية عادلة ومنصفة للعمال المهاجرين؛ كما كانت هناك شراكة وتنسيق مع مركز الشرق الأوسط للتنمية والتدريب والذي يتخد من مدينة دبي مقرًا له؛ هذه الإمارة المحورية الواعدة التي احتضنت هذه المناقشات الجادة والإنسانية، فمركز الشرق الأوسط تتمحور أدواره الإنسانية؛ في توعية أفراد المجتمع المدني وكذلك القطاعين العام والخاص في الخليج بالقوانين والأنظمة الوطنية والدولية التي شُرعت لحماية المهاجرين والمقيمين في دولة الإمارات العربية المتحدة على وجه الخصوص، كما يعمل المركز على تنمية المهارات وتدريب الكوادر الوطنية على مواجهة القضايا الاجتماعية وعلى وجه الخصوص قضايا المهاجرين في المنطقة.

وتهدف هذه الجهات من تنظيم ورشة العمل والحلقة النقاشية المصاحبة إلى حوكمة حركة انتقال العمال الوافدين، وبناء وتطوير قدرات الكوادر الصحفية والإعلامية في المنطقة العربية والخليج؛ وكذلك إطلاع الكتاب والإعلاميين على الاتفاق العالمي للأمم المتحدة بشأن الهجرة الآمنة والمنظمة، وتشجيعهم على الارتقاء بأسلوب تناول ومعالجة الأخبار الحساسة مثل: الهجرة غير النظامية، والاتجار بالبشر. وهدفت الندوة إلى تحسين المفردات واللغة المستخدمة في الإعلام والبعد عن استخدام المصطلحات ذات المضامين السلبية والمضادة للهجرة النظامية في مختلف الفنون الصحفية والإعلامية، وكذلك تعزيز الشراكة والتعاون مع الكفاءات الإعلامية في الخليج؛ خاصةً المؤثرين في وسائل الإعلام التقليدية، وذلك لأهمية العمل المشترك وتحقيق العدالة والتغطية المتوازنة لقضايا العمال بشكل عام.

وفي البداية، تحدثت مديرة مكتب الهجرة الدولية رلى حاماتي (من مكتب الأمم المتحدة في الدوحة) عن التحديات التي تواجه المهاجرين في الخليج وأشادت بالدول التي قامت بإلغاء نظام الكفيل؛ إذ أكدت المتحدثة الأممية أن هناك تطورات إيجابية تشهدها المنطقة حول قضايا العمال وتسهيل انتقالهم ومنحهم حقوقهم الإنسانية التي كفلها القانون الدولي. وقد عقبت شخصيًا على مداخلة مندوبة الهجرة الدولية؛ وأوضحت للمجتمعين أن سلطنة عُمان قد قامت بخطوات مهمة حول تسهيل إقامة الأجانب؛ ومن أهم هذه التسهيلات:

1- أصدر معالي المفتش العام للشرطة والجمارك القرار الإداري رقم 157/2020 الذي على إثره بدأت السلطنة خطواتها في التخفيف من قيود الكفالة؛ وتم إلغاء شهادة عدم مُمانعة، ونُفِّذَ في بداية عام 2021. وأصبح الوافد الذي يرغب في الانتقال إلى كفيل آخر، غير مُلزم بالحصول على شهادة عدم مُمانعة التي تفيد بموافقة صاحب العمل الأول على انتقاله.

2- كما تم السماح للأجانب سواء الذين يعملون في القطاع الخاص في الوقت الحالي، أو الذين يرغبون بالاستثمار في السلطنة، بالعمل بدون كفيل، خاصة الذين تنطبق عليهم الحوافز التشجيعية للاستثمار الأجنبي في السلطنة؛ وذلك في إطار قانون الاستثمار الجديد في البلاد.

وأكدنا خلال الحلقة النقاشية على الشراكة بين المهاجرين والمواطنين في الخليج لتحقيق أهداف التنمية الشاملة، بعيدًا عن الصراع الذي ظهر مُؤخرًا ويصطدم بسياسات التوطين التي تحاول الحكومات الخليجية تحقيقها على استحياء، وذلك بسبب وجود طوابير الباحثين عن عمل من حاملي الشهادت العليا من أبناء دول المجلس والذين هم أحق بتلك الوظائف من غيرهم؛ فالقوانين والتشريعات الوطنية لا تنصف المواطن في كثير من الأحوال، فقوانين التقاعد غير منصفة في بعض دول المجلس، فيسمح للوافد الذي وصل عمره إلى 60 سنة أن يستمر في العمل، بينما المواطن في نفس الشركة عليه أن يُغادر المكان، إذا ما وصل إلى الستين، فمن المفارقات العجيبة أن يُطالب المواطن أن يُعامل ويتمتع بحقوق الوافد في وطنه! وذلك بسبب ازدواجية المعايير والقوانين.          

لا شك أن الهجرة في الخليج والجزيرة العربية تحمل جانبين؛ الأول إيجابي يتمثل في الهجرة القانونية التي أتت بعقود عمل بهدف إنجاز مشاريع تنموية وتقديم خدمات لوجسيتية للمواطنين والشركات والحكومات؛ فهؤلاء هم الذين ساهموا في التنمية الاجتماعية والاقتصادية لبلداننا، فقد أفادوا واستفادوا في نفس الوقت؛ فالدول التي أرسلت هؤلاء المهاجرين للمنطقة تشكل نسبة هذه التحويلات المالية إليها رقمًا مُهمًا، فقد بلغت قيمة هذه التحويلات عام 2021 إلى أكثر من 127 مليار دولار أمريكي على مستوى دول الخليج مجتمعةً؛ مما ترتب على ذلك مساهمة هذه التحويلات المالية التي مصدرها اقتصاديات المنطقة أكثر من ثلاثين بالمائة من الناتج المحلي القومي في بعض هذه الدول الآسيوية.

أما الجانب الآخر السلبي فيتمثل في الإقامة غير القانونية، فدولنا الخليجية تتعرض بشكل مستمر لأفواج منتظمة من المُهرِّبين والمُتسللين غير الشرعيين، والذين لا تشملهم قوانين المنظمات الدولية ولا المحلية، وتكمن خطورة هؤلاء في جلبهم للممنوعات والمخدرات بأنواعها؛ إذ يستغل المهربون الصحاري والسواحل البحرية في المناطق غير المأهولة بالسكان للوصول إلى الداخل.

وعلى الرغم من ذلك، هناك تنسيق مشترك، وجهود جبارة تُبذل من أجهزة الشرطة والأمن في دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية؛ لمكافحة تلك الظواهر التي تُشكّل خطرًا على الأمن القومي الخليجي.

** أكاديمي وباحث مختص في الرأي العام والاتصال الجماهيري