كيف ينشأ الفساد؟!

 

عمرو العولقي

نسمع أحيانًا كثيرة في مختلف جوانب الحياة والقطاعات، أن فلانًا أو علانًا في شلة فلان، أو عبارة انتبه "لا يكون عندك تصادم مع فلان لأنه وراه لوبي علان"، وربما نسمع أحدهم يقول "تعبنا من اللوبي الفلاني اللي معتبرنا خارج الحسبة، هضم حقنا واستولى على جهدنا ونسبه لفلان لأنه معاهم"، أو قد يتبادر إلى مسامعنا، آخر يقول "مجموعة سوّوا تكتل يهدرون الأموال على أشياء لا تستحق، ونحن نطلب شيئاً للعمل وما أعارونا اهتمام"، كل هؤلاء يتذمرون ولكن ماذا فعلتم أنتم لمنع كل هذا؟

وهذا يدفعنا للسؤال: كيف ينشأ الفساد الإداري؟

لا يخفى على أحد أنَّ هذه التكتلات والتي تعارف عليها النَّاس في وظائفهم سواء قطاع خاص أو حكومي، باسم اللوبيات، هي حقيقة مخفية نشعر بها ولا نستطيع القضاء عليها، ولا ينكرها عاقل في كثير من المؤسسات، فحين تقوم مجموعة من الأفراد بالتعاون القائم على أخدمني وأخدمك، وتشكيل اتفاق مبطن لتكوين التكتل قد يكون بين الموظفين والمديرين، فتتبع مجموعة من الموظفين دون غيرهم بولاء تام للمدير الفلاني، وقد ينشأ تكتل آخر مع المدير العلاني، وكل طرف يحاول السيطرة وجمع الولاءات، فتستغل المناصب الإدارية، في ترشيحات أشخاص ميزتهم الولاء دون الإجادة والكفاءة، أو ضم عدد من الأقارب أو من ذات الأسرة أو القبيلة، لضمان الولاء، وهذه الدائرة تصبح مغلقة أكثر فأكثر، بين هؤلاء الأشخاص، وتتسم بالاحتكار والسيطرة على منظومة العمل أو جزء منها، وخصوصًا إن كان هذا اللوبي يضم أشخاصًا من ذوي الوظائف العليا بالمؤسسة أو الشركة، وينتج عن هذا اللوبي معضلات تؤدي للفساد الإداري نذكر منها: تراجع كفاءة العمل بشكل كبير؛ نظرًا لتواكل المجموعة ودعمها لبعضها وإهمال الكفاءات التي من الممكن أن ترقى بمستوى العمل، إلى جانب احتكار الدورات والتأهيل والتدريب  للأشخاص الموالين والمقربين منهم وتجاهل من يستحقون وهذا يأتي بسبب غياب الوضوح في الأحقية والشفافية، فضلًا عن خلق نوع من الحساسية بين الموظفين والشعور بالمظلومية نتيجة التمييز بين الموظفين بغض النظر عن كفاءاتهم، وينتج عنه الشعور بالإحباط وفقد الشعور بالانتماء. وأيضًا التسلق على ظهور الموظفين المجيدين ونسب أعمالهم لغيرهم، وتلميع صورة من لا يجتهد، وتقزيم حجم مجهود المجيدين، وتظل الكفاءات في الظل بسبب أنهم ليسوا من لوبي المدير الفلاني، علاوة على التنمر الوظيفي وإساءة استخدام الصلاحيات الممنوحة، فيعيش الموظف في وضع نفسي مقلق، ويفقد شغفه، ويتوقف الإبداع. ومن بين السلبيات: صلاحيات المسؤولين في بعض الأماكن تنقل صورة مُغايرة للواقع للإدارات العليا بحيث تصب دائماً لصالح اللوبي وأعضائه. كما إن تشكل اللوبيات يؤدي بشكل عام إلى تحويل بيئة العمل، إلى ساحات صراعات بين الموظفين وفقدان الاتزان والراحة بين العاملين وتصبح بيئة سامّة.

وهناك الكثير من النتائج السلبية في حال بدأت هذه اللوبيات بالتشكل سواء على مستوى الأفراد بشكل خاص أو المؤسسات المختلفة بشكل عام.

إذن ما الحل؟!

نعلم أن الحكومة الرشيدة تبذل جهودًا حثيثة من أجل محاربة الفساد الإداري والمالي بكافة القطاعات وتسن القوانين الرادعة لمثل هذه الممارسات والتكتلات ونرى ذلك جليًا من خلال التحول الرقمي الحكومي الذي يضبط الأداء للفرد والمنظومة كل على حدة وكذلك منظومة إجادة التي تهتم بالكادر البشري العامل وتضمن حقه.

وفوق كل ذلك جهاز الرقابة المالية والإدارية للدولة، حيث يقوم هذا الجهاز بتلقي كافة البلاغات عن التجاوزات والمخالفات والفساد الإداري أو الإضرار بالمال العام ولهذا الجهاز موقع في الشبكة العنكبوتية مما يسهل على الموظف الحكومي تقديم الشكوى والإفصاح عن الفساد إن وجد، سواء عبر الرقم المجاني (80000008) أثناء ساعات العمل الرسمي، أو عبر حساباتهم الرسمية،منصات التواصل الاجتماعي (تويتر، فيسبوك، انستجرام).

أما فيما يتعلق بالقطاع الخاص، فوزارة العمل لديها قسم خاص للشكاوي يسمى قسم الشكاوى العمالية في حال وجود مخالفات لأحكام قانون العمل.

عزيزي الموظف.. أينما كنت لا تقف مكتوف الأيدي وتشتكي لزملائك وأهلك في حال وقع عليك الظلم أو شاهدت الفساد الإداري أو المالي بعينك، ولا تتردد لحظة واحدة في حال تعرضت للظلم أو التمييز أو التنمر الوظيفي أو رأيت هدرا للمال العام، بل قف في وجه الفساد وقم بإبلاغ ذوي الاختصاص، وإلا أصبحت شريكًا لهم بالسكوت عن التجاوزات سواء خوفا أو طمعا بمركز أو منصب ما، فكل هذه الجهات ما وجدت إلا لمكافحة الفساد الإداري والمالي ولن نتقدم إلا إذا تمَّت محاربة هذه اللوبيات أو ما شابهها.

عزيزي الموظف.. أنت في وطن حر ومهمتك بناء هذا الوطن يدًا بيد مع الحكومة، ولن يتأتى ذلك إلا بالعمل السليم وفق الضوابط والقوانين الموضوعة مسبقًا لزيادة الأداء المؤسسي والفردي؛ بما يكفل حق الجميع بالعدل.

بوركت الجهود المبذولة من لدن حكومة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم- حفظه الله؛ حيث تتواصل المسيرة التنموية وتتكامل الجهود لرفع الأداء الحكومي وازدهار الوضع الاقتصادي، وكفالة حق المواطن العماني في كل المجالات.. دمتَ قائدًا فذًا وحكيمًا وحازمًا.

تعليق عبر الفيس بوك