والصوم لي وأنا أجزي به

 

د. سليمان بن خليفة المعمري

لقد شاءت الحكمة الإلهية أن يكون الصوم أحد الشعائر التعبدية التي افترضها الخالق سبحانه وتعالى على أتباع هذا الدين الحنيف إذ يقول الله عز وجل في محكم التنزيل "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ" (سورة البقرة: 183)؛ فأوجب الخالق الكريم على المسلمين التقرب إليه بهذه الشعيرة العظيمة؛ إذ يتعبدون لله تعالى من خلال الإمساك عن الأكل والشرب، وجميع المفطرات الحسية والمعنوية، من طلوع الفجر، إلى غروب الشمس.

والحق أن قيام المسلم بممارسة هذا العمل التعبدي العظيم له ما له من الفوائد التي لا تخفى على ذي لب، فالصوم تربية للنفس وتزكية لها، وتجديد إيمان المرء وزيادته، وهو مدرسة يتربى فيها المسلم على فضائل الأخلاق وكريم القيم ويرتسم من خلاله الطريق المستقيم، والمنهج القويم.

إضافة إلى أن للصوم من الأجور والحسنات ما لا يعلمه إلا الله عز وجل ففي الحديث القدسي الشريف الذي رواه أبو هريرة هريرة رضي الله عنه: قال النبي صلى الله عليه وسلم: " قال الله عز وجل: كل عمل ابن آدم له إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به والصيام جنة، فإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث يومئذ ولا يصخب، فإن سابَّه أحدٌ أو قاتله، فليقل: إني امرؤ صائم، والذي نفس محمدٍ بيده لخلوف فم الصائم أطيب عند الله يوم القيامة من ريح المسك، وللصائم فرحتان يفرحهما، إذا أفطر فرح بفطره، وإذا لقي ربه فرح بصومه" رواه البخاري ومسلم، فعلى المسلم أن يتوخى في صومه الحذر من الوقوع في أية محظورات أو ممنوعات حتى يكتب لصومه القبول وينال به الأجر والمثوبة من ربه الكريم جل جلاله، وليتذكر على الدوام الثواب الكبير الذي أعده الكريم المنان للصائمين يوم القيامة ففي الحديث الشريف عن سهلِ بنِ سعدٍ  عن النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: إِنَّ فِي الجَنَّة بَابًا يُقَالُ لَهُ: الرَّيَّانُ، يدْخُلُ مِنْهُ الصَّائمونَ يومَ القِيامةِ، لاَ يدخلُ مِنْه أَحدٌ غَيرهُم، يقالُ: أَينَ الصَّائمُونَ؟ فَيقومونَ لاَ يدخلُ مِنهُ أَحَدٌ غَيْرُهُمْ، فإِذا دَخَلوا أُغلِقَ فَلَم يدخلْ مِنْهُ أَحَدٌ" متفقٌ عَلَيْهِ، فياله من جزاء وما أعظمه من ثواب.

وإذا كان هذا جزاء الصوم في الآخرة، فإن في هذه الحياة الدنيا من البشارات وأمارات السرور التي يسوقها العلم الحديث للصائمين ما لا يعد ولا يحصى، فقد أثبت العلم أن للصوم من الفوائد الصحية والنفسية الكثير كتحسين صحة القلب وتقوية الذاكرة والإدراك وتنظيم مستويات السكر في الدم وتقوية جهاز المناعة ومحاربة الالتهابات وفقدان الوزن وتحسين نفسية الإنسان والتخلص من السموم، على أن المختصين في الجوانب الشرعية والطبية يؤكدون على وجود بعض الحالات التي ينبغي استشارة الطبيب قبل الشروع في الصوم كمرضى السكري والفشل الكلوي وغيرها من ذوي الأعذار لمعرفة الحكم الشرعي والآلية الصحيحة لأداء هذه العبادة على الوجه المناسب لحالاتهم.

وحتى يحقق الصوم المقاصد والغايات النبيلة التي شرع من أجلها فلابد للصائم أن يستشعر حرمة هذه الفريضة وجلالة قدرها فيعظمها بأدائها على أكمل وجه وأفضل طريقة فإنه "وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ" (الحج: 32)، ولعل من مظاهر التعظيم الواجب اتباعها: أداء الفرائض كالصلاة في أوقاتها وقراءة القرآن والتقرب إلى الله تعالى بشتى القربات والطاعات، والاشتغال بالنافع والمفيد من الأعمال والأقوال والحرص على الصدقات وتقديم العون للآخرين والمساهمة قدر الإمكان في برامج إفطار الصائمين التي تشرف عليها الجهات المختصة، وتجنب مظاهر الإسراف في المأكولات والمشروبات والمشتريات غير الضرورية والحرص على الاهتمام بالجوانب الصحية فيما يتعلق بالتغذية وممارسة الرياضة ونحوه.

وختامًا.. هنيئًا للصائمين وبشرى للمتقين الفيوض الربانية الكريمة التي أعدها الله لهم خلال شهر رمضان الفضيل متوجة بحديث المصطفى صلى الله عليه وسلم الذي رواه الصحابي الجليل أبو هريرة رضي الله عنه: مَنْ صَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ"  رواه البخاري، سائلين الله تعالى للجميع الرحمة والقبول وكل عام وجميع المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها بخير وسعادة وعزة وهناء.

** أخصائي إرشاد وظيفي

تعليق عبر الفيس بوك