الاقتراض.. حلٌ أم مشكلةٌ؟!

 

د. سالم بن عبدالله العامري

الاقتراض بمفهومه البسيط هو أخذ مبلغ نقدي من إحدى المؤسسات أو الأفراد شريطة التعهد بإعادته خلال مدة مُعينة، وغالبًا ما يتم دفع فائدة عليه حسب ما تم الاتفاق عليه بين الطرفين. ويعد الاقتراض أمرًا ضروريًا لدى البعض في بعض الحالات، وبالأخص عندما يصبح الفرد بين متطلبات الحياة الملحة وقلة ذات يده؛ فلا يجد طريقًا إلى سد حاجته وتلبية ضرورته إلا عن طريق الاقتراض.

وقلّما نجد مجتمعًا تمكن من النهوض بلا استدانة، وأن أغلب قطاعات المال والأعمال قائمة على عمليات الإقراض والاقتراض، وبالتالي تحقيق مكاسب تؤثر إيجابًا على معدلات النمو والإنتاج في البلد. فإذا كانت الدولة التي تمتلك الموارد والثروات في البلد لم تنج في فترة من الفترات من المديونية، فما بالك بالمواطن الذي لا يملك ثروة عدا راتب يتقاضاه شهريًا يكاد لا يكفي لسد احتياجاته الضرورية لأسبوع أو أسبوعين كأقصى تقدير.

واستطاعت الحكومة مؤخرًا سداد جزء كبير من الدين العام في إطار استراتيجيتها لإدارة الدين العام، بفضل زيادة العائدات المالية مع ارتفاع أسعار النفط وتحقيق فائض مالي؛ الأمر الذي من شأنه أن يسهم في تحسين الأوضاع الاقتصادية بشكلٍ عام في البلد. ولن أتطرق في هذا المقال إلى مديونية الدولة، وإنما عن مديونية الأفراد- إن جاز التعبير- رغم العلاقة  بينهما، كحل ربما يعتبره البعض مخرجًا له من أزمته بينما قد يراه آخرون مشكلة تؤرق صاحبها وهم يصعب الفكاك منه بسهولة أو يُسر.

وتختلف المديونيات من فرد لآخر؛ فهناك صاحب العمل الذي كان يملك مؤسسة صغيرة كانت أو متوسطة خسر مشروعه وتراكمت عليه الديون وأصبح ملاحقًا في أروقة المحاكم، وفي مختلف الجهات القانونية، وفئة المعسرين من ذوي الدخل المحدود أو الضمان الاجتماعي الذين لا تستطيع دخولهم الشهرية أن تلبي متطلبات الحياة المعيشية فيضطرون للاستدانة لتوفير ما يلزم لسداد احتياجات أسرهم وذويهم.

ونظرًا لانخفاض دخل الأفراد بشكل عام جراء الأزمات والمشكلات الاقتصادية التي أثرت على الحياة المعيشية للأفراد كغلاء المعيشة، تشير الإحصاءات إلى أن معدل التضخم ارتفع بشكل ملحوظ في الأعوام الماضية التي تزامنت مع جائحة كورونا، ومن المتوقع أن يستمر هذا الارتفاع خلال العام الجاري، بالتزامن مع ارتفاع أسعار الوقود، ورفع الدعم عن الكهرباء والمياه، وتكلفة الاتصالات والتقنيات، وفرض الضرائب على بعض السلع والخدمات، وغيرها، مما جعل الدخل لا يكفي لمواجهة الاحتياجات الأساسية للغالبية العظمى من المواطنين (الغذاء، السكن، الصحة، التعليم، المواصلات، الخدمات الأساسية..)، فيلجأ إلى الاقتراض كحل لتلبية متطلباته الأساسية واحتياجاته الضرورية.

وعلى النقيض تمامًا، هناك فئة من الأفراد تقترض لأسباب استهلاكية غير ضرورية، وبتكلفة عالية، وبشكل مبالغ فيه، ولفترات زمنية طويلة غير مُخطط لها، وبالتالي يقع في مصيدة الديون، وتتراكم عليه المديونيات، ويصبح في هم وضيق شديد، وقد استعاذ نبينا صلى الله عليه وسلم من غلبة الدين، وهو ثقل الدين والعجز عن سداده، نظرًا لما يترتب عليه من عواقب وخيمة تضر بالفرد، والمجتمع. وفي السياق ذاته، قلَّ ما نجد اليوم من يقترض دون الحاجة أو الضرورة في ظل الظروف المالية والاقتصادية الصعبة حاليًا.

ورغم هذا العوز الذي يعاني منه بعض المواطنين في السنوات الأخيرة جراء تطبيق ضريبة القيمة المضافة، وخطة التوازن المالي، والترشيد في الإنفاق، وتوقف المحفزات المالية ومنها الترقيات، وعدم زيادة الرواتب، وشح الوظائف، وتزايد أعداد الباحثين والمسرحين عن العمل، والمتقاعدين، إلا أنه لا يزال يترقب بارقة أمل تلوح في الأفق تنتشله من هذه الضغوط، بينما هو لم يعد بمقدوره الصبر طويلًا أمام هذه المديونيات التي أثقلت كاهله، وبددت طاقته.

ومما لا شك فيه، أن الحكومة الرشيدة تتابع باهتمام ما آلت إليه أوضاع المواطنين والأحوال المعيشية في البلد، وهو ما أكد عليه حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المُعظم- حفظه الله ورعاه- خلال أحد لقاءته مع بعض شيوخ المحافظات، أنه يتابع باستمرار مسألة غلاء المعيشة والأمور التي تؤثر على حياة المواطن. كما جاءت التوجيهات السامية بسداد ديون ما يقارب 1169 حالةً من الحالات المستحقة على بعض أصحاب المؤسسات الصغيرة والمتوسطة والأفراد بمبلغ يصل إلى أكثر من مليوني ريال عماني، وإلغاء أوامر الحبس الصادرة بحقهم، ورفع كافّة الحجوزات عنهم، وهو ما تفاعل معه المواطنون وأشادوا بالخطوة الإيجابية التي تسهم في رفع المعاناة عن أصحاب المؤسسات المتأثرين بالتقلبات التي شهدتها الأسواق عقب جائحة كورونا.

ولهذا.. نأمل من حكومتنا الرشيدة والأطراف ذات العلاقة التدخل العاجل لرفع هذه المعاناة بما لا يتضرر به أحد ولا يختل به التوازن في إطار القاعدة الفقهية "لا ضرر ولا ضرار" والتخفيف عن كاهل المواطن من خلال إيجاد مبادرات وطنية تهدف للحد من أزمة الديون التي أثقلت كاهل المواطنين من مختلف الشرائح الاجتماعية.

تعليق عبر الفيس بوك