روَّاد الرياضة العُمانية

 

المعتصم البوسعيدي

 

"نستطيع".. كلمةٌ بينها وبين نقيضها حرفُ النفي "لا"، وما بينهما يُمكن للطموحاتِ أن تكونَ واقعًا، ويمكن أن تموت في مهدِها، وكذلك رياضتنا مولودةٌ مؤودة، لا يؤمن بها إلا القليل، كمخرجاتنا التعليمية التي ما فتأت تحاول إثبات ذاتها وتتحين الفرصة للصعود، فترمى من مكانٍ عَلي بكلمةٍ أحدُّ من السيفِ وأطعنُ من الخنجر، لكن المؤمنين- والحمد لله- يعيشون بيننا، تراهم بابتسامتهم الدائمة في عرصات التحديات ناشري فرحٍ وإنجازات، وتلك صفات -والله- تراها في سيماء أهل الاتحاد العُماني لكُرةِ الطاولة، خاصةً عندما يتسللُ اليأس وتتبعثر الأوراق ويموت حلمنا الرياضي-للمرة المليون- دون بواكي ولا ذاكرين.

في يناير الماضي، استضافت سلطنة عُمان مُمثلة في الاتحادِ العُماني لكُرةِ الطاولة (بطولة العالم للرواد لكرة الطاولة 2023 بمسقط)، بالتعاون مع الاتحاد الدولي لتنس الطاولة ومؤسسة عُمان للإبحار، لم تكن هُناك- للأسفِ المليون- بُنيةٌ رياضيةٌ للاستضافة، فكانَ مركز عُمان للمؤتمرات والمعارض المكان المنشود لاحتواء 136 طاولة و1600 لاعب دولي بين إناث وذكور من 69 دولة تنافسوا على الألقاب الفردية والزوجية والزوجي المختلط في 11 فئةً عُمريةً تراوحت بين 40 سنة إلى أكثرِ من 90 سنة! جمعهم الشغف وحُب الرياضة والبحث عن الإنجازِ على مدارِ ثمانِ ليال مرت كالحلم الجميل، علمًا بأن هذه الأرقام دون احتساب المرافقين من أصدقاء وعائلات اللاعبين، والتي أشارت التقديراتِ إلى حضورِ ما نسبته 30% منهم كحضورٍ عززَ- بلا شك- من جمهور البطولة وعظم الفوائد الاقتصادية المرجوة.

وتُعدُ البطولة حدثًا عالميًا، ربما لم يحظَ بالتغطية الإعلامية الكافية، لكن من يعلم دهاليز العمل ويركز على لغةِ الأرقام القيمة، سيجد نفسهُ أمام إنجاز عُماني قلَّ مثيله، بدأ بافتتاحٍ أنيقٍ بنفحةٍ "ملكيةٍ" مُريحة للسمعِ والأبصارِ والأفئدة، علاوة على تعاونٍ وتكاملٍ بين المؤسسات العامة والخاصة، ورعاية ودعم تغلب على الوضعِ المالي الصعب، مع مزجٍ رائع بين الرياضةِ وروح الهويةِ العُمانيةِ وإرثها الحضاري الكبير وسياحتِها المتنوعةِ الغنية، إضافة إلى نجاحِ وضع سلطنة عُمان على خارطةِ الأحداثِ الرياضيةِ العالمية، والتي وإن كلفت مئات الأولوف، إلا إنها قدمت إيرادات مليونية، واكبت الرؤى وانسجمت مع النظرة الثاقبةِ لمُجددِ النهضةِ سلطاننا المعظم-أعزه الله- خاصة فيما يتعلقُ بالاستثمارِ الرياضي.

الحديثُ لا ينتهي عن هذه البطولة، وعن العملِ المتحققِ من الاتحادِ العُماني لكُرةِ الطاولة، والذي توسع باللعبة على أكثرِ من صعيد، وتوجَ عملهُ -مؤخرًا- بفوزِ البطلةِ الصغيرةِ الكبيرةِ تالية الرواحية ببطولةِ قطر الدولية للشبابِ ضمن مُنافساتِ فئة تحت 11 سنة، واضعةً اسمها -واسم وطنها- في المركزِ الخامس على مستوى العالم في تصنيفِ الاتحاد الدولي للاعبين عن ذات الفئة، ثم ماذا؟ وإن كنتُ لا أريد أن أعكر صفو جمال حديثنا، لكنها الحلقة الفارغة الضيقة لرياضتنا التي لا زالت مختبراتها تعمل دون دويٌ يسمعهُ "من به صممُ"، مع أمل جديد يولد وهاجس الوأدِ أقرب إليه من حبل الحياة.

نقولُ شكرًا للمخلصين، شكرًا للمخضرمِ المُحنك عبدالله بامخالف وفريقه المُبدع في الاتحادِ العُماني لكُرةِ الطاولة، شكرًا للجنودِ المجهولين لسعيهم الدؤوب لترك البصمة والأثر الجميل، شكرًا لكُلِ عُماني يُدرك -تمام الإدراك- أن العُماني قادرٌ على صنعِ الفارق متى ما أتيحت له الظروف، مع أنه وفي الظروف الصعبة رقم لا يُمكن تجازوه، شكرًا لروادِ الرياضة من الأولين والآخرين.