الديمقراطية بمفهوم استشاري في الصين

 

تشو شيوان **

الديمقراطية ومفاهيمها وأنظمتها ومنظوماتها لها أشكال وتعريفات كثيرة جدًا، ولكل دولة الحق في أن تختار أفضل الطرق التي تناسبها وتناسب طبيعتها الاجتماعية والسياسية، وبعيدًا عن الوجه غير الصحيح الذي تصوره بعض الدول عن نماذج الديمقراطية الغربية فإنَّ للصين أيضًا نموذجها الخاص في الديمقراطية بداية من تحقيق المعادلة الصعبة في علاقة الشعب بالحكومة وصولًا لنظامها الداخلي وطريقة ممارسة الديمقراطية فيها.

والممارسة الديمقراطية في الصين لا تؤكد على دور الديمقراطية الانتخابية فقط؛ بل تولي اهتمامًا أيضًا بإفساح المجال لمزايا الديمقراطية الاستشارية، الديمقراطية القائمة على اللجان الاستشارية، إذا إن هناك ما يسمى بالندوة التشاورية نصف الشهرية للمجلس الوطني الـ13 للمؤتمر الاستشاري السياسي للشعب الصيني، وهذه الندوة تقام بشكل منتظم اعتبارًا من 22 أكتوبر عام 2013، وتعقد هذه الندوات كل أسبوعين، وتركز كل ندوة على موضوع مُعين، وتستمع إلى اقتراحات أعضاء المؤتمر الاستشاري السياسي للشعب الصيني من مناحي الحياة كافة، والأخذ بتوصياتهم ووجهات نظرهم حول الموضوع المطروح.

وفي عام 2013، كابتكار مؤسسي لتنفيذ روح المؤتمر الوطني الـ18 للحزب الشيوعي الصيني وتعزيز "الديمقراطية الاستشارية"، استؤنفت الندوة نصف الشهرية بعد توقف دام ما يقرب من نصف قرن وبعد استئناف الندوة، أضيفت كلمة "تشاورية" إلى اسمها لتمثل النظام الديمقراطي الاستشاري والذي يكون فيه التناغم أكبر حيث يشارك فيه ممثلون عن الشعب وممثلون عن الحكومة ضمن ندوة استشارية لتبادل الأفكار والآراء حول حياة الشعب وما يؤثر بها من أمور ومستجدات.

في كلمة مهمة وفي توضيح أجده مُفسِّرًا للوجه الديمقراطي الصيني، يقول تشو شو تشون عضو اللجنة الدائمة للمجلس الوطني الـ13 للمؤتمر الاستشاري السياسي للشعب الصيني: "تركز الانتخابات التنافسية على الفوز والهزيمة، بما يتسبب في استبعاد أو تضارب أو تمزيق أو تداول المصالح، والفيتوقراطية والحكومة غير الفعالة، بدلًا من ذلك، تركز الديمقراطية الاستشارية في الصين على تشارك المصالح، لإيجاد القاسم المشترك الأكبر، ورسم أكبر دائرة متحدة المركز". ومن خلال هذه الكلمات وهذه التوضيحات يتبين لنا أن هناك وجه آخر ووجهة نظر أخرى عن الديمقراطية، وهذا ما تمارسه الصين وهذا ما يصلح للنظام الاجتماعي والسياسي الصيني، ومن حق الصين أن تختار لشعبها ولنظامها الداخلي الشكل الديمقراطي الأنسب الذي يضمن استقرار الوطن وتحقيق التنمية المستدامة.

المشكلة الأكبر لدى الكثير من الدول الغربية أنها تُصوِّر الديمقراطية كما لو كانت نظامًا أو مفهومًا احتكاريًا لا يقوم به إلا بعض الدول! وهذا الأمر خاطئ تمامًا، فما ذكرته فيما يخص الندوة الاستشارية في الصين ما هو إلا جزء بسيط من أشكال الديمقراطية بفهوم صيني، وما أحاول إيصاله من خلال هذا الطرح هو تسليط الضوء على قضية مهمة وجوهرية بأن نُعرف الديمقراطية ونبين مفاهيمها المتعددة، والصين في محاولة جادة لبيان تعاريفها الخاصة للمصطلحات العالمية التي يثار حولها الجدل واللغط بين حين وآخر.

باسم الديمقراطية تم التدخل في شؤون العديد من الدول، وباسم الديمقراطية تم مهاجمة أنظمة وشعوب وتم تقويض أمن نساء ورجال ولن ننتظر ممن يقومون بكل هذه الجرائم باسم الديمقراطية بأن يملوا على العالم مفهوما وحيدا يعرفون من خلاله الديمقراطية، بل نريد أن نوضح لهم وللعالم أن الديمقراطية مفهوم مطاطي تستطيع أن تجلبه يمينًا وشمالًا مثلما تريد، ولهذا وجب أن نعرفه بما يتناسب مع كل دولة وكل شعب وكل نظام؛ فالمهم ضمان سلامة حياة الشعوب وتوفير الحياة الكريمة لهم والسماح لهم بأن يكونوا جزءًا من الوطن، بينما التعريف الغربي دائمًا ما يقصي جانبًا على حساب جانب، يقصي حزبًا على حساب حزب، يقصي نخبة على حساب نخبة. لكن في هذا الإقصاء وإن بدا الأمر كما لو كان تصويرًا للديمقراطية، إلّا أنه إقصاء من جانب آخر، ولهذا أجد أن النظام الاستشاري هو النظام الأفضل والصورة الأعمق للديمقراطية.

بينما كنت أكتب هذا الطرح وعندما تعمقت في هذا المفهوم وجدتُ أن العرب دائمًا ما يفخرون بالحديث عن النظام الاستشاري أو الشوروي وقدرته على التوجيه نحو الصواب والحكمة، وهذا ما نتفق فيه مجددًا نحن في الصين والأصدقاء في الدول العربية، وعلينا أن نعمل سويًا لإيضاح الصورة بشكلها الكامل دون اجتزاء أو التفاف.

 

** صحفي في مجموعة الصين للإعلام، متخصص بالشؤون الصينية وبقضايا الشرق الأوسط والعلاقات الصينية- العربية