أيام شامية

لا تعلب دور الضحية

 

 

أمينة أحمد **

يقول المثل الشامي "الله خلق أخّين ما خلق طبعين" وذلك المثل كناية عن اختلاف طباع الإخوة الذين يولدون من نفس الأب والأم، وينهلون نفس العادات والمبادئ والتقاليد، يأكلون مع بعض ربما بنفس الطبق وبعد أن يبلغوا سن الرشد تكون الأم وكذلك الأب أدركا تمامًا أن لكل واحد من أولادهم طباعه الخاصة وصفاته المستقلة كالكرم أو البخل والصدق أو الكذب وربما أحدهم محب للعلم والعمل والآخر مهمل ومتسيب.

وفي عصرنا الحديث بدأنا نسمع عن ما يُسمى بتعديل السلوك الذي يقوم به المرشد النفسي، والذي كان يقوم بدوره في الأيام الشامية شيخ الجامع الذي يدعو إلى الصلاح والتقى وحسن الخلق وطيب الأخلاق... فما إن تعثرت التربية على الأم في عصرنا إلا وهرعت لتعديل سلوك ابنها بهدف جعل منه الولد المطيع المهذب المثالي ربما ذلك غير ظاهر الأمر يبدو أنه أمر جيد ينمّ مدى تفهم الأهل لفكرة تعديل السلوك. ولكن يصبح أمرا غير منطقي ومعقول عندما يكون أحد الأبوين أو أحد الراشدين في الأسرة بحاجة لتعديل سلوكه وطباعه... ما أشطرنا بمدح ذاتنا... وهنا نكثر الإطراء على أنفسنا، وندّعي أنّنا أهل الأخلاق الحميدة والقلوب الطيبة والنفوس الصافية الخالية من الحقد والكره والحسد، والآخر هو الذئب، وأن ما يحصل لنا هو بسبب طيبة قلبنا واحترامنا الآخر... ويكبر الغرور داخل كلٍ منا، ويأخذنا الطغيان أبعد من ذلك، ويصبح الحق باطلًا والباطل حقًا ما دام يصبّ في مصلحتنا، ونعبّر عن أنفسنا على أنّنا ملائكة والآخر هو الشيطان.

عندما نقيس علاقاتنا وخلافاتنا نقنع ذاتنا أنّنا دائمًا مظلومين، والطرف الآخر يقنع نفسه بذلك أيضًا... فما أبشع طبع الأنانية لدى بني البشر، وما أبشع أن يحتال الإنسان على الحقيقة بادعاء طيبة القلب، وما أبشع أن يصول ويجول بالباطل وهو يدّعي أنّه الحق، هل فكّرنا بالنقاش مع أنفسنا لو كنّا مكان هذا الشخص ماذا ستكون ردّة فعلنا؟ هل وضعنا أصبعنا في أعيننا لنرى كمية الألم قبل أن نضعها في عين غيرنا؟ هل فكّرت الأم أن تضع نفسها مكان ابنتها، والأب مكان ابنه؟

هذا يذكّرني عندما كنت أداعب ولدي ذي السبعة أعوام، بأن نتبادل الأدوار، فصرت أطلب منه الطعام والشراب والألعاب، فكان جوابه بكلّ صرامة "لا.... وممنوع أن تنده لي ماما، أنت مُعاقب، أنت ولدٌ مشاغب"... بكلّ تأكيدٍ كانت كلمات قاسية عليّ وتغيّر لون وجهي فقال لي ولدي هكذا أنت تعاقبينني عندما أكون ألعب أو أمارس شيئًا من طقوسي، إنّه درس قاسٍ علّمني إياه ابني، بأنّ أفكّر قبل اتخاذ القرار، وأن أناقش وأعتذر إن أخطأت دون تردد.

كُنْ أنت، وعامل النَّاس كما تحبّ أن تُعامل أنت، ولا تلعب دور الضحية مع غيرك!

تعليق عبر الفيس بوك