التنمر.. "القاتل الصامت" لشخصية الطفل!

 

◄ تربويون يؤكدون دور الأسرة في معالجة هذه الظاهرة.. والحل يبدأ من الحوار مع الأبناء

الرؤية- سارة العبرية

 

فوزية عقيلي: الأسرة قد تكون سبب اكتساب الأبناء سلوك التنمر

البلوشي: التوبيخ والمدح الزائد من أسباب انتشار التنمر

العوامي: حب الشهرة من أكثر أسباب انتشار التنمر

الحسين: برامج التوعية ضرورية لتعزيز ثقة الأطفال والحد من التنمر

◄ القطيطي: من المهم تعليم الطفل الدفاع عن نفسه لفظيا وجسديا

◄ سمية الغامدي: غرس القيم الإيجابية في الأبناء يساعد على التنشئة الصحيحة

 

أصبحت ظاهرة التنمر عادة عدائية ومؤذية تحدث في المدارس بشكل شبه يومي بين الأطفال، وهي من أكثر الملفات التي تشغل القائمين على المجال التعليمي والتربوي حول العالم، لما لها من آثار سلبية كثيرة على شخصية الطفل.

وتشير الإحصائيات العالمية إلى أن 1 من بين 3 أطفال يتعرض يوميا للتنمر، و75% من الأطفال شهدوا تنمرا على الآخرين، و70% من المسؤولين في المدارس شهدوا تنمر الأطفال على نظرائهم، و57% من حالات التنمر توقفت عند تدخل الآخرين.

ويقول الدكتور يوسف بن عوض البلوشي مدرب في تنمية التفكير، إنَّ التنمر يعتبر من صور الإيذاء التي يتعرض لها الأشخاص في البيئة الاجتماعية، وخصوصا في البيئة المدرسية بين الأطفال، وكذلك في المناطق السكنية وحتى على مستوى الأسرة، إذ يتعرض فرد أو مجموعة أفراد للإساءة من قبل فرد آخر أو مجموعة في صورة إيذاء جسدي أو لفظي، كما أنه مع التطور التكنولوجي الذي يشهده العالم قد يحدث ذلك التنمر عبر مواقع التواصل الاجتماعي.

د. يوسف البلوشي.jpg
 

وترى فوزية فتح الدين عقيلي استشارية ومدرب معتمد طفولة ومشرفة تطوير رياض الأطفال بالسعودية، أن شرارة تعزيز سلوك التنمر قد تنطلق من المنزل بسبب كثرة تعرض الطفل للإيذاء النفسي أو البدني، ليخرج للعالم حاملاً شعور الرغبة في تجربة هذا الإيذاء مع الآخرين، مضيفة: "وفي بعض الأحيان قد تعزز بعض الأسر هذا السلوك لدى الأبناء عبر التشجيع المبالغ فيه، مثل مدح سلوكه وقوته وعدم قدرة أحد على التغلب عليه، وأنه قادر على التغلب على الآخرين، فيستمر في البحث عن أطفال ضعفاء ليُعزز آراء والديه المزروعة بداخله".

فوزية عقيلي.jpg
 

وتوضح الدكتورة أمل حسين العوامي استشارية طب تطور وسلوك الأطفال بالمملكة العربية السعودية، أن طريقة التعامل في المنزل إذا غلب عليها الأسلوب السلطوي والتحكم، فسيخرج الأطفال للمجتمع حاملين بذرة هذه السلوكيات ضد الآخرين، موضحة: "يستمر السلوك عند وجود المعززات الخارجية، مثل حصول الطفل على ما يريد كأن يحصل على طعام أو أدوات  أو ألعاب من الطفل الآخر، أو أنه يشعر بالقوة والتحكم فيمن حوله، وهذا يكون بسبب تعزيز الآخرين للشخص وتضخيم قدراته، وهناك فئة أخرى من الأطفال من يستمتع بإيذاء الآخرين ومشاهدة عذابهم وخوفهم، وتعتبر من الشخصيات السيكوباتية وتظهر على شكل اضطرابات سلوكية في مرحلة الطفولة".

د. أمل العوامي.jpg
 

أسباب التنمر

يُبيّن الدكتور يوسف وجود العديد من الأسباب التي تزرع سلوك التنمر في شخصية الأطفال مثل طريقة معاملة الوالدين وحرمانهم العاطفي والمادي، الأمر الذي يترجم إلى سلوك عدواني تجاه الآخرين، مؤكدا أن استخدام الآباء أو المعلمين أسلوب المقارنة بين الأطفال يؤدي إلى ظهور شعور الكره والغيرة والرغبة في الانتقام، وهذا يعد من الأسباب البارزة للتنمر.

ويشير إلى أن من بين الأسباب وجود صفة التكبر في العائلة؛ حيث يتكلم بعض الآباء بصورة فيها تصغير للآخرين، فتنقل هذه الصفة إلى الأبناء، بالإضافة إلى مخالطة الطفل لنظرائه ممن يحملون هذا السلوك فيكتسبه منهم خصوصا في مرحلة المراهقة، واستخدام أسلوب الصراخ أو الضرب في التعامل مع الأخطاء التي يرتكبها الأبناء، وعدم استخدام أسلوب الحوار التربوي، وتحطيم شخصية الطفل بالتوبيخ والتجاهل أو الإساءة اللفظية، وكذلك الدلال الزائد من الأساليب التربوية المحطمة والمسببة لتعرض الطفل للتنمر، كما أنَّ وجود بعض الإعاقات الجسدية أو ضعف البنية الجسدية لدى الطفل أو تميز الطفل بين أقرانه وحصوله على المدح المستمر والتمييز من قبل الآباء أو المعلمين قد يجعله عرضة للتنمر، بالإضافة إلى أسباب أخرى عنصرية كالدين أو الجنس أو القبلية.

وتذكر فوزية عقيلي أن شعور الطفل بقلة الاهتمام من الوالدين يجعله يعوض هذا الشعور من خلال جذب اهتمام الآخرين بالتنمر على الضعفاء من زملائه، أو قد يتعرض الطفل للتنمر في منزله فيفعل نفس الأمر مع الآخرين، مبينة: "أحياناً يكون الطفل عدوانياً بطبعه مما يجعله دائما يبحث عن ضحية لإذائها، أيضا عدم وجود بيئة سوية بالمنزل تُربي على الاحترام والقيم مما يخلق أطفالا ليس لديهم أي حدود واحترام للآخرين".

وتوضح: "هناك 4 أشكال للتنمر والتي قد يستخدمها الأطفال، الأول منها هو التنمر اللفظي وهو استخدام عبارات سيئة شفيها  أو كتابيا  بما في ذلك السخرية والتهديد والتعليقات غير اللائقة، بالإضافة إلى المضايقة والنداء على اسم الطفل المُتنمّر عليه بطريقة معينة تضايقه، والثاني هو التنمر الاجتماعي ويكون بتشويه سمعة الطفل المتنمّر عليه وتدمير علاقته مع الآخرين، وذلك بتعمد تركه خارج المجموعة، والطلب من بقية الأطفال بعدم مصاحبته، ونشر الشائعات عنه، وإحراجه أمام الآخرين، حيث يكثر هذا النوع بين الفتيات، أما النوع الثالث فهو التنمر الجسدي من خلال الضرب أو الركل أو البصق أو القيام بحركات تحمل إيحاءات سيئة أو الدفع
أو تكسير الأشياء الخاصة به، وغالبًا ما ينتشر بين الأولاد، بالإضافة إلى التنمر الإلكتروني الذي لا يظهر كثيرا بين الأطفال ولكن بين المراهقين".

من جانبها، تعتبر الدكتورة أمل العوامي أن السبب الرئيسي للتنمر قد يكون حب الشهرة والظهور، وأيضاً حب التحكم بالآخرين وإظهار القوة.

اضطرابات نفسية

يؤكد الدكتور يوسف أن استمرار تعرض الطفل للتنمر يؤدي إلى الكثير من الآثار السلبية، مثل لجوئه للعنف والعدوان على إخوته الصغار أو الضعفاء من زملائه وجيرانه، بالإضافة إلى رفضه الذهاب للمدرسة وانخفاض مستواه التحصيلي والتظاهر بالمرض، والشعور بالقلق والإصابة بالاكتئاب والشرود الذهني واضطرابات النوم والتبول اللاإرادي وقضم الأظافر والضعف المتنامي في الشخصية، لافتا إلى أن بعض الأسر تتعامل مع هذا الأمر بطريقة خاطئة مثل تعنيف الطفل، الأمر الذي يؤدي إلى ميل الطفل للعزلة.

وتضيف الدكتورة أمل العوامي أن الآثار النفسية السلبية تؤثر على المتنمر عليه وعلى المتنمر أيضا، موضحة: "تغيب عن الكثيرين أن الطفل المتنمر طفل غير سوي وتؤثر هذه السلوكيات عليه شخصيا بشكل سلبي من ناحية التطور الاجتماعي والاستقرار النفسي، فالآثار السلبية للمتنمر عليه تتمثل في ضعف الثقة بالنفس والاكتئاب واضطرابات الأكل وتسلل الأفكار الانتحارية، أما الآثار الصحية فمنها الصداع واضطراب النوم وآلام المعدة والتبول الليلي، بينما الآثار الأكاديمية تتمثل في التغيب عن المدرسة وتدني العلامات والانسحاب من المدرسة.

وتقول: "من الآثار النفسية للمتنمِّر نفسه هي الاكتئاب والعزلة في المستقبل والتدخين وشرب الكحول، وتدني الأداء المدرسي والقيام بأعمال إجرامية في المستقبل إذا لم يتم معالجة الموضوع مُبكرا".

تعزيز الثقة

ويشدد البلوشي على ضرورة قيام الآباء بدورهم تجاه هذه المشكلة، واستخدام أساليب تربوية صحيحة والحرص على فتح حوار دائم مع الأبناء والابتعاد عن أسلوب المقارنة بين الأبناء أو مقارنتهم بزملائهم، مع الحرص على تقديرهم وتجنب الإساءة إليهم، وتلبية احتياجاتهم المادية والعاطفية، ومتابعة الألعاب الإلكترونية وحسابات التواصل التي يتابعونها والتأكد من خلوها من الأسباب التي تدعو للتنمر، بالإضافة إلى تعزيز الأخلاق الإسلامية التي تدعو إلى احترام الآخرين وتجنب الإساءة إليهم.

ويوضح الدكتور عبدالله بن حمد الحسين الخبير التربوي في مجال الطفولة بالسعودية، أن التوعية المستمرة من الأمور التي تجنب وقوع الطفل ضحية للتنمر، حيث يتم تعزيز ثقة الأطفال بأنفسهم وقضاء وقت مُمتع للطفل مع الأصدقاء الذين لهم تأثير إيجابي، وتقديم الدعم اللازم لهم ومنحه الشعور بالأمان والطمأنينة والثناء عليهم وتوجيه النصائح القيمة لهم، مضيفا: "نحتاج إلى التوعية والتثقيف المستمر بخطورة التنمر وكيفية التعامل معه، وتدريب الطفل على كيفية التحكم في حال تعرضه للتنمر، وكذلك التصرف بشجاعة والابتعاد عنه وتجاهله واللجوء إلى شخص ثقة في حال التعرض للتنمر ومرافقة الصحبة الطيبة في المجتمع الخارجي مثل أصدقاء المدرسة".

د. عبدالله الحسين.jpg
 

وتنصح فوزية عقيلي بضرورة بدء معالجة ظاهرة التنمر من داخل الأسرة نفسها من خلال الحوار الفعال بين الوالدين والأبناء، حتى يلجأ الطفل لوالديه في حال تعرضه للتنمر وعدم إخفاء الأمر خوفا منهم، مشيرة: "يجب أن يكون لدى الأهل مهارة طرح السؤال على أبنائهم حتى يسهل على الطفل التحدث بما يحدث له، ويجب الإنصات للطفل، كما يمكن إلحاق الأبناء بدورات الدفاع عن النفس لتطوير مهاراتهم في مختلف المجالات وتعزيز ثقتهم بأنفسهم، ثم نأتي للنقطة التالية وهي تعليم و تدريب الطفل كيف يدافع عن نفسه خصوصا في مرحلة التنمر اللفظي وكيف يرد على المتنمرين بأن يكون صوته عاليا ولا يتملكه الخوف، وتدريبه في حال التنمر الجسدي أن يمسك بيد الطفل المتنمر ولا يسمح له بالسخرية منه".

ويوجه خميس بن سالم القطيطي مدير مدرسة بولاية الخابورة، بتدريب الطفل على كيفية الدفاع عن نفسه عند الحاجة، وشرح مفهوم التنمر للطفل وأسبابه وتعزيز ثقته بنفسه وتدريبه على العبارات التي توقف المتنمر عند حده، بالإضافة إلى أهمية الحوار المستمر بين الآباء والأبناء.

وتوضح العوامي: "يجب نشر ثقافة أن التنمر من السلوكيات غير الجيدة بين الأطفال، حيث إنَّ العلاج يبدأ في المنزل أولا بوضع حدود تربوية وعواقب للأفعال غير المرغوبة، وأيضا بجعل الطفل يتفاعل مع الآخرين ويتفهم مشاعرهم، وبالنسبة للطفل المتنمر على الوالدين أن يكونا نموذجا للتعامل حتى يكتسب الأبناء الصفات الجيدة من آبائهم، أما بالنسبة للطفل الذي يتعرض للتنمر فالتعامل الصحيح معه يكون من خلال إخباره أن التنمر ليس بسببه، لأن بعض الأطفال يعتقدون أنهم يستحقون مثل هذه المواقف، وتعزيز ثقتهم بأنفسهم وإعطائهم مهمات بسيطة تعزز هذه الثقة بداخلهم".

وتؤكد أنه من الضروري تعليم الطفل كيفية التصرف والتعامل مع المتنمر، عبر رفض التنمر والدفاع عن نفسه وعدم المشاركة في التنمر أو إيذاء الآخرين.

وتتحدث سمية بنت معيض الغامدي مستشارة تربوية ومعلمة رياض أطفال بالمملكة العربية السعودية: "يجب بناء علاقات إيجابية مع أطفالنا والتحاور معهم وإعطائهم الفرصة للتعبير عن آرائهم، ويجب غرس قيمة الاحترام في نفوس أطفالنا لأن احترامنا لأطفالنا داخل المنزل يجعل منهم أطفالا محترمين خارج منازلهم أيضا".

تعليق عبر الفيس بوك