أكد أن الصراعات الدولية الحالية تنافس تعليمي لامتلاك أدوات المعرفة

البروفيسور فيصل رضوان لـ"الرؤية": هجرة العقول العربية للخارج استنزاف لا يتوقف.. و"مؤامرة كورونا" غير مستبعدة

◄ الإنفاق السخي على البحث العلمي يسهم في توطين العلوم

◄ المناهج التعليمية العربية "غير سيئة" لكنها تحتاج لمنهجية علمية واضحة

◄ على العرب التحرك بسرعة للحاق بركب التطور والتكنولوجيا

◄ من يتخلف عن مسايرة الثورة التكنولوجية يفقد إرادته وحريته

◄ لا يمكن استبعاد الأخطاء البشرية في تسرب الفيروسات

◄ حماية المياه البحرية مسؤولية دولية مشتركة

◄ فرض الضرائب على الأنشطة التجارية البحرية يساهم في جهود الحفاظ على البيئة

الرؤية- ناصر أبوعون

أكد البروفيسور فيصل رضوان، الباحث في مجال التكنولوجيا الحيوية والسموم البحرية بالوكالة الأمريكية لعلوم المحيطات والأجواء والأستاذ بالجامعة الطبية في ولاية كارولاينا الجنوبية، أن الإنفاق على التعليم والأبحاث بسخاء يساهم في توطين العلوم ويجعل التقدم نمط حياة، لافتًا إلى أن التعليم العربي ليس سيئًا لكنه يحتاج إلى منهجية واضحة ومتقدمة على مستوى عناصر العملية التعليمية الخمسة.

وأضاف رضوان- في حوار مع "الرؤية- أن شحّ الإنفاق على الأبحاث والنشر العلمي من أكبر الأسباب التي أدت إلى خروج العقول البشرية العربية من المنافسة الدولية.

ويعمل الدكتور فيصل رضوان أستاذًا بالجامعة الطبية بولاية كارولاينا الجنوبية، ويشارك مشرفًا وباحثًا في مجالات دراسات علاج السرطان والأمراض المناعية والوراثية، ومن أهم أبحاثه في مجال السموم السبق في تعريف تفصيلي كامل لسبل الهدم الحيوي لسموم البريفيتوكسين العصبية وتعريف أنواع جديدة لها، وتأثيراتها الطبية، وأبحاث أخرى في مكافحة السرطان والأمراض المناعية مثل "استخلاص مركبات طبيعية مضادة من أحد أنواع فطر عش الغراب الجبلية"، وتطويره جسيمات نانومترية ذكية متعددة الوظائف لحمل المستخلصات الطبيعية المُعالجة للسرطان. وفى الوراثة الجزيئية له بحوث عن "معرفة تأثير الاختلافات الوراثية بين الأجناس البشرية المختلفة وطبيعة تكوين جزيئات الأجسام المضادة عند الإصابة بأوبئة فيروسية وأمراض مناعية معينة"، كما اشتغل على أبحاث عن الطبيعة الكيميائية للسموم وتأثيراتها الطبية والصحية، ومدى تأثير العوامل البيئية على اختلاف فاعلية السموم المستخلصة.

وإلى نص الحوار

 

** الدول العربية سخرت الأدوات التكنولوجية في التعليم.. لكن لماذا لاتزال المخرجات ضعيفة؟

التكنولوجيا إحدى وسائط التعليم وليست غاية في حد ذاتها، لذلك فإنَّ الحكم على فاعلية وسائل التكنولوجيا التعليمية يكون بقدر استفادة المعلمين منها والكيفية التى يتم بها استخدام وسائل التكنولوجيا لإكساب الطلبة المهارات الرقمية اللازمة.

ومع ذلك، فإن تطبيق تكنولوجيا التعليم يواجه الكثير من التحديات، خصوصا عندما يتعلق الأمر بالتنفيذ المسؤول ومهارات الاستخدام، وعلى سبيل المثال في الولايات المتحدة الأمريكية وعلى الرغم من الاهتمام المتزايد باستخدام الواقع الافتراضي والذكاء الاصطناعي والتقنيات الناشئة الأخرى، فإنَّ أقل من 10% من المدارس تمتلك هذه الأدوات في فصولها الدراسية، وذلك خشية الأضرار الصحية المصاحبة للنظر في الشاشات لأوقات طويلة، والشكوك في فاعليتها أصلًا كأداة بديلة عن التعليم التقليدي لتوصيل المهارات اللازمة بشكل عادل ومتساو، خصوصًا بين طلاب مراحل التعليم الأساسي. كما تظهر التحديات أيضاً في تفاوت المهارات بين المعلمين لتطوير المحتوى التعليمي عبر الإنترنت، وندرة الموارد لتزويد الطلاب بجهاز كمبيوتر محمول، وضعف شبكات الاتصال بالإنترنت. ولذلك، فإنَّ الكثير من الدول المتقدمة تستخدم أجهزة الكمبيوتر والأجهزة اللوحية في التعليم جنبًا إلى جنب مع الأقلام والسبورة والكتاب في الفصول وقاعات الدرس.

بحث للدكتور فيصل رضوان 2.jfif

** من وجهة نظرك، كيف نوقف نزيف هجرة الطلاب والعلماء العرب إلى الخارج؟

على أصحاب القرار في العالم العربي الوقوف عند هذه الظاهرة لدراستها ومعرفة أسبابها لأن البلد تفقد بذلك قوتها المدربة ورأس مالها البشري، لأن الأفراد الأكثر مهارة وكفاءة يغادرون بلادهم، ويساهمون بخبراتهم في اقتصاد البلدان الأخرى، مما يتسبب في آثار مفيدة على المدى الطويل كما حدث بالولايات المتحدة.

وتُعرِّف منظمة اليونسكو مصطلح استنزاف العقول: بأنه "شكل غريب من أشكال التبادل العلمي بين الدول لأنه يتميز بحركة في اتجاه واحد تتدفق حتما إلى البلدان المتقدمة"، حيث توفر الإمكانيات المادية والأمان الاجتماعي لهذه الكفاءات.

وتختلف الأسباب التي تدفع هذه الكفاءات البشرية للهجرة حسب طبيعة الأفراد والدول، ومن بينها البحث عن فرصة عمل لا توفرها الأوطان بعد رحلة تعليم شاق، وربما البحث عن ظائف ذات دخول مناسبة للمهارات في الدول الغنية، والسعي إلى حياة مستقرة والأمن الاجتماعي.

أما عن أسباب هجرة العلماء والباحثين عن الأوطان، فيكمن أغلبها في البحث عن مرافق بحثية مرموقة، وإمكانيات وتكنولوجيا متقدمة تتيح فرصة النمو والتميز والإبداع، فضلاً عن تقدير العلم والإبداع، وكفالة حرية البحث والتفكير.

 

 

** ما أهم التحديات التي تواجه أنظمة التعليم العربية؟

إن أهمية التعليم مسألة لم تعد اليوم محل جدل أو خلاف في أي منطقة من العالم، فالتجارب الدولية المعاصرة أثبتت بما لا يدع مجالا للشك أن بداية التقدم الحقيقية بل والوحيدة هي التعليم، وأن كل الدول التي تنعم بالرفاهية الاقتصادية والأمن الاجتماعي عرفت طريقها إلى امتلاك حقوق المعرفة، بل إن الدول المتقدمة نفسها تضع الاستثمار فى التعليم والبحث العلمى كأولوية فى برامجها وسياساتها المستقبلية.

وربما يمكننا القول بأن جوهر الصراع العالمي اليوم هو سباق تطوير التعليم وامتلاك أدوات المعرفة وحقوق الاختراع، وأن حقيقة التنافس بين دول العالم هو تنافس تعليمي حتى يتسنى تصنيع الأفكار العملاقة ومنها الهيمنة الاقتصادية واستعمار العقول.

كما أن ثورة المعلومات وتقدم مناحي التقنيات، تفرض على عالمنا العربي أن يتحرك بسرعة وفاعلية حتى يلحق بركب التقدم ويكون له منتج علمي يميزه وسط الدول، لأن من يتخلف في هذا السباق العلمي والمعلوماتي يفقد إرادته وحريته، وهذا ولا يصح أن نتعرض له وأمامنا كل الفرص متاحة.

وفي الحقيقة، فإن التعليم في معظم دول الوطن العربي يعاني إما في إمكاناته أو سياساته أو مناهجه، وربما في كل هذه العناصر مجتمعة، ورغم هذا القصور فإن التعليم المعاصر فى بعض دولنا العربية ليس بهذا السوء الذي لا يمكن إصلاحه، فهناك طرق وأساليب يمكن اتباعها للنهوض به ومواكبة العالم المتقدم، وأولى هذه الطرق تتمثل في التعرف على عناصر التعليم لوضع أيدينا علي نقاط الضعف وتحديدها بالقدر الذي يمكنه تحديث منظومة التعليمية بأكملها.

وينبغي أن نضع في الحسبان أن عناصر التعليم مترابطة ويتأثر بعضها بالآخر؛ ولا يمكننا تطوير عنصر منها وترك عنصر آخر، وهذا يمثل تحديا كبيرا أمام صناع القرار، إلى جانب الإرادة الحقيقية والدعم المادي الكافي، يمكن القول بأن هناك 5 عناصر مهمة للنهوض بالتعليم.

وتأتي فئة المتعلمين من تلاميذ وطلاب في مدارسنا وجامعاتنا على رأس قائمة العناصر، ثم المعلم فى المدارس حتى الأستاذ بالجامعات، ثم المناهج التعليمية، ثم البيئة التعليمية ومنظومة الإدارة.

 

** هل يمكن للعرب توطين التكنولوجيا الحيوية؟ أم سيكون هناك اعتراضات دولية؟

لا حظر على استخدام التكنولوجيا الحيوية، لكن علينا الإنفاق على التعليم والأبحاث لتوفير البيئة المناسبة لتوطين هذه العلوم حتى يصبح التقدم العلمي نمط حياة.

وتستخدم تطبيقات التكنولوجيا الحيوية المصادر الطبيعية لإنتاج منتجات صيدلانية وتشخيصية لتلبية احتياجات الإنسان في مجالات الطب والزراعة والطب الشرعي والمعالجة الحيوية والمكافحة الحيوية والأمن البيولوجي، كما أنها تستخدم لدراسة تغير المعلومات الوراثية في الأحياء، بحيث يمكن نمذجة الأمراض البشرية المعروفة والمحتملة ودراستها بشكل تام.

وتعمل التطبيقات الحديثة للتكنولوجيا الحيوية من خلال الهندسة الوراثية، والتي تُعرف أيضًا باسم تقنية الحمض النووي المؤتلف (rDNA)، من خلال تعديل موروثات الخلايا الحية لتقوية خصائص النبات.

 

 

هل وجود الفيروسات مرتبط بوجود الإنسان.. وهل تعتقد أن وباء كورونا "مؤامرة"؟

من الواضح أن الفيروسات المحتجزة في جينومنا البشري قد جلبت لنا فوائد كبيرة منذ ظهور الإنسان على الأرض، لكنها ليست كلها مفيدة.

ويتكون حوالي نصف الجينوم البشري من ملايين متواليات الحامض النووي التي يمكن إرجاعها إلى فيروسات ميتة منذ فترة طويلة تسمى "جينات قافزة"، ويولد واحد من كل 20 طفلًا بشريًا "بقفزة" فيروسية جديدة في مكان ما في جينومه، والتي يمكن أن تعطل جينًا مهمًا وتسبب فى إحداث مرض، كما أن هناك أدلة كثيرة على أن قفزات مماثلة تساهم إنتاج خلايا سرطانية و مشاكل الذاكرة المرتبطة بالشيخوخة.

وبخصوص "كورونا" فلا يمكنك استبعاد الخطأ البشري على الرغم من عدم اعتراف الصين الرسمى بواقعة تسرب الفيروس بطريق الخطأ، إلا أن تقريرا علميا قبل شهور من الجائحة تحدث عن أوجه القصور النظامية فى عمليات تدريب ومراقبة المختبرات عالية الأمان، حيث يتم فيها دراسة مسببات الأمراض كالفيروسات الخطيرة.

 

 

** تزداد نسبة تلوث البيئة وخاصة البحرية، هل يتطلب ذلك فرض ضريبة تلوث على الشركات الكبرى؟

تمثل المحيطات والبحار ثلثي مساحة الأرض، وهي مصدر مهم للغذاء حيث يعتمد أكثر من 3 مليارات شخص في العالم على المأكولات البحرية التي يتم صيدها كمصدر لأكبر سلعة غذائية يتم تداولها في العالم، ومع زيادة النقل البحرى والأنشطة البحرية تعانى البحار من كونها سلة نفايات لمخلفات صناعية وزراعية تدخل بها بشكل مباشر أو غير مباشر كل عام، حيث تدخل ملايين الأطنان من القمامة والملوثات الصناعية الأخرى إلى المحيط، وتأتي أشكال التلوث الأخرى التي تؤثر على صحة المحيطات من مصادر أخرى مثل تسرب النفط ومخلفات السفن.

والاتفاقية الدولية لمنع التلوث من السفن (MARPOL) هي الاتفاقية الدولية الرئيسية التي تحرم تلوث البيئة البحرية من قبل السفن لأسباب تشغيلية أو نقص صيانة، وربما تأتي غالبية الملوثات التي تشق طريقها إلى المحيط من الأنشطة السياحية على طول السواحل، أو ربما من مناطق سكانية بعيدة عن طريق الجريان السطحي للمياه المحملة بالملوثات.

ويتسبب تلوث المياه البحرية بالبلاستيك والمعادن السامة والمواد الكيميائية المصنعة والمبيدات ومياه الصرف الصحي في هلاك الحياة البحرية وتلوث الأسماك ونمو الطحالب السامة، كما تعد حماية المياه البحرية مسؤولية دولية مشتركة، ولذلك فإن سن القوانين لفرض ضرائب على الأنشطة التجارية المرتبطة بالبحار من أحد وسائل التمويل اللازم لتنظيف الشواطئ وحماية الحياة البحرية، لكن يبقى على الدول الساحلية تفعيل خطط عمل وطنية بشأن السيطرة على القمامة البحرية من خلال الحد من المصادر البرية للتلوث البحري وحماية التنوع البيولوجي.

تعليق عبر الفيس بوك