سليمان المجيني
التخطيط لأي شيء في الحياة يحتاج إلى هدف لكن الهدف لن يتحقق بالأمنيات بل بتجاوز الصعوبات الكثيرة التي ربما يتعرض لها المسير، أما إذا وصل هدفك لحد الشغف فإنك سوف تحققه بسهولة، وأقصد بسهولة هو أنك سوف لن تمر بالصعوبات والمعوقات السابقة، وهذا لا يعني عدم وجودها وإنما عدم شعورك بها كمعوق بل ستكون ضمن نسيج البحث الدؤوب، كن شغوفًا بما تريد الوصول إليه وستجد ضالتك.
ولعل هواية ما تبذل لها وقتك وجهدك ومن ثم تضمحل كما أشياء كثيرة ضلت طريقها، أما الشغف بممارسة هذه الهواية قد يصل بك إلى الهيام بها خصوصا وأن أحدا لا يشاركك فتنتها، أو يأخذ عنك سحرها الرابض في عقلك.
هاني البريدعي أحد شباب سور هيّان بولاية السويق اختمر عقله بالبحر وأصبحت هوايته (جمع العملات) ضمن هذا الفضاء الكبير، لكنه يشطح أحيانا إلى أماكن أخرى قد يجد بها مبتغاه، المهم هو مبتغاه؛ فلا يبتعد كثيرا إلا ويأتي بشوق كبير يمارس فيه ولعه على شواطئ القرية.
تضم شواطئ القرية الصغيرة كنوزا مهمة من العملات، هذه العملات تدل على السفر والعلاقات والتجارة والمعرفة وأشياء أخرى قد تكون مجهولة، أما في خضم هذا الجو فإن أقرب الأشياء قد تكون بعيدة المنال، فكيف نُفسر وجود عملات يعتقد أنها رومانية وجدها الباحث قبل أسابيع معدودة، وكيف نفسر وجود عملات أمريكية منذ عام 1820 ميلادية، وعملات هندية منذ عام 1835 ميلادية وعملات كويتية كدولة منذ 1961، وكإمارة منذ 1380 هجرية (1960 ميلادية تقريبا)، وعملات من أماكن أخرى كثيرة كالسعودية منذ 80 عاما تقريبا، وقطر والبحرين وأيضًا من زنجبار زمن السلطان برغش بن سعيد بن سلطان عام 1299 هجرية (1881 ميلادية تقريبا)، بالإضافة إلى عملات محلية كثيرة زمن السلطانين تركي بن فيصل وسعيد بن تيمور أيام "البيزة" و"البيسة" (بعد التغيير).
هل هي لمسافرين وقعت بالبحر فجذبتها أمواجه للساحل، أم لأناس كانوا يعيشون هنا؟، وهل العملات السعودية متبقية لحجاج بيت الله الحرام القادمين من هناك، أم هي بفعل العلاقات التجارية القديمة؟، وهل العملات الخليجية الأخرى بفعل هذه العلاقات أم بسبب سفر العمانيين للعمل في هذه البلدان ثم القدوم بها عند العودة؟ وهل وجود العملات العُمانية يدل على طريقة ادخار الناس لأموالهم؟ خصوصا وأن الشاطئ لا يخلو من قطع وأوانٍ فخارية كذلك، وهل البحر كان بهذا القرب من البيوت أم كانت بيوت القدماء أقرب إلى أمواج البحر حاليا؟.
هذا المتقصي تعمق كثيرا لدرجة أن مساعديه من أبنائه الصغار وأقاربه لا يجدون شيئا بينما هو يجد الكثير بعد خطواتهم، ويكثر تحصيل العملات في الأجواء الشتوية التي تعتمد على قوة وسرعة الرياح التي تساعد في ظهورها على السطح، وهنا أستذكر هواية معظم الصغار في السبعينات حينما تهب الرياح الموسمية، ولأن المنطقة مفتوحة على بحر عُمان فإن هذه الرياح تحفر الأرض لدرجة أن الأطفال يخرجون بعد هدوئها للبحث عن النقود المعدنية على أطراف المنازل وغالبًا ما يجدون مجموعة جيدة يشترون بها الحلويات، إلا أن العملات غير المعروفة كانت ترمى وقد شهد كاتب هذه المقالة على ذلك.
خلقت هذه الأجواء والجولات الحرة لدى المتقصي عن الكنز المفقود أسئلة محيرة حول طبيعة المنطقة، وهل الناس يعيشون كما هي بيوتهم الآن أم كانوا أقرب إلى الساحل؟ وهل البحر كان أبعد عن المستوى الحالي من الشاطئ؟، بحكم وجود هذه العملات والفخاريات المتنوعة بالقرب من الشاطئ الحالي.
يقول المنقب إن هواية تجميع العملات وغيرها من الفخاريات القديمة على شواطئ القرية بدأها منذ زمن بعيد، ولكن طبيعة العمل الحكومي لم تكن تساعده في البحث بشكل حثيث، واستمرت تختمر هذه الهواية في عقله، حتى إذا وجد فرصة انغمس بها وتحرى عن كنزه الذي يبحث عنه.
هل نستطيع استيعاب هذا التاريخ؟ هل هناك باحثون في التاريخ يستطيعون البحث في هذا الموضوع؟ وهل يمكن لجامعة السلطان قابوس أو وزارة التراث والسياحة تبني فكرة الغوص فيه وتقصي هذا الأمر؟