في غياهب الزلازل

 

 

يهتز قرار الأرض فتميد وترتجف معها الأفئدة ويخر الإنسان عاجزًا راجيًا رحمة ربه

 

هند الحمدانية

تشابكت كفوفنا.. وانضمت الأيدي بالأرجل، وتلاصقت أجسادنا السبعة، وتداخلت أنفاسنا السريعة وتلاحمت صرخاتنا واتحد النبض بالنبض، لم أعد أسمع سوى أهوال الضجيج والصراخ وشهقاتٍ متضاربة، فقدت إحساسي بأصابع أمي الملتفة حول يدي، فقدت إحساسي بأصابع أختي الصغيرة، ألمٌ موجعٌ في كل نقطة من جسدي، وأنينٌ يَصدح من كل اتجاه، أصبحتُ ثقيلًا جدا وكأن الجدران تهاوت على كاهلي الصغير، أصبحت ثقيلا جدا ثم فقدت الإحساس بجسدي ورحلت.

في غياهب الحياة.. ما أصابك لم يكن ليخطئك.. وما أصابهم لم يكن ليخطئهم، ولكن كلما كان الابتلاء على صورة بشر كان من السهل عليك أن تحتسب ومن السهل عليك أن تدعو وتسجد، كان من اليسير أن تعيد صياغة الموقف وكيف تصاعد الأمر إلى أن حدث ما حدث، كنت ستبحث في الأسباب وتعطي بعض المبررات، كان سيكون عندك الكثير من الأمور لتقولها أو لتفعلها أو حتى لتفكر بها، لكن في غياهب الزلازل، فإن الابتلاء على هيئة قدر حتمي تعجز عند عتبته القوانين البشرية والدنيوية وكما قال تعالى: "وكان أمر الله قدرًا مقدورًا".

يهتز قرار الأرض فتميد وترتجف، فترتجف معها الأفئدة ويخر الإنسان عاجزا راجيا رحمة ربه، عندها يعي جيدا حجم ضعفه أمام جبروت الله، وحجم خوفه في مجابهة آياته وجنوده، لزلزال تركيا وسوريا حِكَمٌ وعِبَر لمن أراد أن يتعظ ويعتبر، أولها رحمة من الله لإخواننا المسلمين الذين ألم بهم هذا المصاب الجلل؛ حيث يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: "أمتي أُمةٌ مرحومةٌ ليس عليها عذابٌ في الْآخرَةِ إنَّما عذابُها في الدنيا: الزلازِلُ والفتَن والبَلايا"، كما أنها تذكير غليظ  للناس بقدرة الله المطلقة فيتفكر الغافل ويستيقظ التائه ويعود إلى رشده الساهي، وحكمة لنا نحن المتفرجين بصمت، نحن الذين راقبنا الأحداث من بعيد، توجعنا على إخواننا وربما تناثرت دموعنا وضاقت خواطرنا وانكسرت، أجل دعوة للتلاحم والتعاطف الإنساني الذي يحيي فينا مشاعر الترابط بين الشعوب، وإحياء القوة الإنسانية الخفية والتي تتمثل في إبداء مشاعر العطف والرحمة واللين ورقة القلب لمصاب الآخرين.

الأجساد السبعة المتلاصقة كانت لعائلة سورية كشفوا عنها تحت الأنقاض، استشهد جميع أفراد العائلة وهم متشابكو الكفوف والأصابع، محتضنون بعضهم البعض، لقد تقاسموا المصير والشهادة، مثلما تقاسموا يومًا الخبز والوسادة.

تعليق عبر الفيس بوك