الزلزال المُفجع

 

مدرين المكتومية

الإنسانية يجب أن تعلم أنَّها أصغر بكثير جدا من قدرات الخالق ومن قدرات الطبيعة، فمهما امتلك الإنسان من طاقة ومن معرفة وعلم وصواريخ وأسلحة فتاكة تظل قوة الطبيعة أعظم وأشد تأثيرًا، والزلزال الذي ضرب تركيا وسوريا خير مثال على ما أقول.

فالمشاهد المروعة والدموع التي رأيناها تنهمر من عيون الناجين من هذه الكارثة غير المسبوقة في نحو ما يزيد عن 80 عامًا تؤكد أن الإنسان كائن ضعيف، وعليه أن يعيش في هذه الحياة من هذا المنطلق وأن لا يتجبر وأن لا يتسلط وأن لا يتمرد، فما نراه من حروب وصراعات في أمور حياتية لا يساوي أبدًا قيمة هذه الحياة، فالحياة أسمى من أن نضيعها في حروب لا طائل منها، وصراعات عبثية لن تنتهي إلا بانتهاء جميع البشر.

فهذه الحرب الدائرة الآن في أوكرانيا يجب أن تنتهي فورا وأن تتوقف جميع التدخلات العسكرية حتى يمكن للعالم أن ينهض وأن يستفيق من هذه الأزمات المتلاحقة التي تحل عليه وتضر بالبشر في كل مكان، وقد رأينا كيف أن هذه الأزمة وهي حرب أوكرانيا أثرت على كل دول العالم، فالتضخم في جميع أنحاء العالم يقفز قفزات مروعة يفاقم فيها من حالات الفقر في العالم، ويزيد من احتياجات الناس للأموال والغذاء، وكما رأينا عشرات ومئات بل آلاف القتلى والجرحى في هذه الحرب وغيرها من الحروب.

وعندما نقول إن الزلازل والكوارث الطبيعية أشد خطرا من أي قوة بشرية على الأرض فهذا يفرض علينا وعلى كل دول العالم أن تتكاتف من أجل أن يعم السلام والاستقرار في ربوع الأرض، فالهبة الدولية التي رأيناها خلال اليومين الماضيين، منذ الإعلان عن خبر الزلزال وحتى الآن، ورغبة عدد كبير من الدول في إرسال المساعدات وأطقم فرق الإنقاذ إلى تركيا وسوريا في محاولة لمساعدة هذين البلدين للتخفيف من وطأة تلك الكارثة يؤكد أن البشرية قادرة على التعاون، وأن البشرية يمكنها أن تتكاتف وتتضافر جهودها من أجل أن يسود الاستقرار والرخاء دول العالم.

الإنسان خلق على هذه الأرض كي يعمرها، لا كي يدمرها، والحرب والصراعات معاول هدم وليست أدوات بناء، إنني أوجه هذا النداء إلى كل عاقل في العالم أن يضع مصلحة الإنسان في المقدمة، أن يتوقفوا عن تصنيع الأسلحة الفتاكة، وأن يمتنعوا تماما عن استخدامها في مواجهة إخوانهم من البشر، وأن يعمل الساسة والدبلوماسيون على أن ينزعوا فتيل الأزمات وأن يبحثوا عن طرق التعاون والشراكة، لا طرق الحرب والصراع والتدمير.

كل قطرة دم تسقط على الأرض وكل روح تصعد إلى بارئها، وكل طفل يعيش في يتم، وكل امرأة تترمل، وكل شيخ عجوز لا يجد من يحنو عليه، وكل فتاة تجد نفسها في مهب الريح عرضة لأن تتلقفها أيدي السوء، كل هؤلاء يمكن أن نحميهم ونوفر لهم الدعم والمساندة والمساعدة إذا قررت الإنسانية وقرر العالم أن يعيش في سلام ووئام، لا يقتات على الحروب وأن يعيش من مبيعات السلاح، وأن يعزز نفوذه باحتلال الأرض واغتصاب العرض.

لقد آن الأوان للبشرية أن تتوقف تماما عن كل شكل من أشكال الصراع والحرب وأن تعمل جاهدة من أجل التوسع في مشاريع تخدم الإنسان، فلنزرع الأرض ولنصطاد من البحر ولنصنع عالما أفضل لنا جميعا كي نعيش في سلام ووئام.

إن المشاهد التي رأيناها في هذه الزلازل وما سبقها من كوارث كلها تؤكد أن الإنسانية يجب أن تعمل لأجل العيش الكريم، ويجب أن تعمل بهدف تنمية الإنسان وإعمار الأرض، وهذا هو السبب الذي خلقنا الله من أجله، فهل نُنَفِذ أمر الله...؟ أم نظل نعصيه ونعاند ونكابر ونتحدى القدرة الإلهية؟!