مهرجان الربع الخالي ومستقبل نسخته المقبلة

 

مسلم سعيد مسلم مسن

اختتمت فعاليات ‎مهرجان الربع الخالي في نسخته الثانية بمنطقة الخذف في نيابة الشصر التابعة لولاية ‎ثمريت بتاريخ 3 فبراير 2023، الذي نظمته المديرية العامة للتراث والسياحة بمحافظة ظفار بالتعاون مع عددٍ من الجهات الحكومية والقطاع الخاص والأهلي، واستمر لمدة 10 أيام.

تميزت هذه النسخة بفعاليات ومناشط البعض منها ينفذ لأول مرة مثل: الماراثون الصحراوي (ماراثون الربع الخالي)، ومسابقة تحدي الإحداثيات (GPS)- تم تطوير هذه المسابقة مقارنة بالنسخة الأولى-، قرية وبار التراثية، عروض فن الشيلات، معرض الكرفانات المتنقلة وغيرها من الفعاليات والمناشط المصاحبة للمهرجان.

لا شك أن المهرجان جاء كأحد الفعاليات الرئيسية المساهمة في استدامة الموسم السياحي لمحافظة ظفار بدءا من موسم الخريف، مرورا بفترة الصرب، ووصولا لموسم الشتاء. عليه، فإن تعزيز السياحة الشتوية- عبر فعاليات ومناشط مهرجان الربع الخالي- بما تتضمنه من عناصر مهمة: سياحة المغامرات، التراث المادي والمعنوي للبيئة البدوية، قيمة موقع وبار الأثري بنيابة الشصر كمعلم سياحي وتراثي جاذب، كل هذه العناصر بما تعتمد عليه من مقومات ماثلة تعزز مفهوم الاستدامة والتفرد وتعطي متانة لمستقبل هذا النوع من السياحة، الأمر الذي يعود بالفائدة المنشودة وتعزيز إنفاق السائح المحلي والخارجي لهذا القطاع في محافظة ظفار وتوفير الخدمات والمناشط اللازمة الداعمة لتوسيع خيارات السائح والعائلة وإطالة فترة المكوث لأن هذين العنصرين يعتبران حاسمان في معادلة مساهمة القطاع واستدامة تلك المساهمة وذلك لن يتحقق عبر المقومات وحدها وإنما هناك عوامل ممكنة مثل: البنية الأساسية والخدمات (طرق واتصالات وغيرها) والمجتمع المحلي المجاور وكفاءة الجهات القائمة على الفعاليات والمناشط.

النسخة الأولى والثانية من مهرجان الربع الخالي بمنطقة الخذف التابعة لنيابة الشصر بولاية ثمريت استفادت فعلاً من مقومات المكان كعنصر جذب أساسي وحظيت برعاية ودعم واضح من الجهات المعنية، وبدأ الشروع في توفير الخدمات (الطريق المؤدي إلى منطقة الخذف) ويبدو أنَّ النسخة المقبلة ستشهد اكتمال العديد من تلك الخدمات والبنى الأساسية الضرورية لإطالة أمد الفعاليات وفترة مكوث السائح. كما إن المجتمع المحلي مقتنع تماما وداعم لكل مراحل تطور المهرجان وجزء أصيل من مناشطه وفعالياته.

تقييم نتائج النسخة الثانية لمهرجان الربع الخالي وتحديد القيمة المتحققة منه سواء على القطاع السياحي أو المجتمع المحلي لا بد وأن الجهات المعنية قائمة عليه، ما يهمنا في هذا المقال- من خلال متابعتنا لفعاليات ومناشط المهرجان- اقتراح بعض المسارات التي نراها مُهمة- من وجهة نظرنا- للنسخة المقبلة:

  • مسار الخدمات والبنى الأساسية: إن الخدمات والبنى الأساسية من أهم العناصر المسرعة لأي تنمية سياحية مستدامة. من الأهمية بمكان اكتمال خدمات الطرق – بدأ الشروع به فعلا- والاتصالات والكهرباء بمنطقة الخذف بنيابة الشصر قبل بدء النسخة المقبلة ليتسنى للجهات القائمة مثل وزارة التراث والسياحة إعداد فعاليات ومناشط ذات وزن نسبي معتبر يتناسب مع حجم المشروعات ويستهدف شريحة واسعة محبة للسياحة الشتوية ومتعلقة بمقومات المكان. إن تسريع هذه الخدمات سيسهل على القائمين الترويج للمكان بشكل واسع وإقامة فعاليات ترضي جميع الأذواق بالأخص في مجال المغامرات والسياحة التراثية.
  • مسار استمرارية تطوير الفعاليات والمناشط: لا شك أن فعاليات ومناشط مهرجان الربع الخالي ذات ثيمة وطابع مرتبط بشكل مباشر بالسياحة الشتوية المستمدة من مقومات رمال الخذف الذهبية وعبق قوافل اللبان القادمة من موقع وبار الأثري بنيابة الشصر. محاكاة هذا النمط من السياحة يستبعد العديد من المناشط المكرَّرة في العديد من المهرجانات التقليدية، ولابد أن بعض الفعاليات في النسخة الثانية لامست فعلا هذا النمط منها: الماراثون الصحراوي، مسابقات المغامرات الرملية، قرية وبار التراثية، قوافل اللبان، معرض الكرفانات. ونتوقع من النسخة المقبلة أن تطور مسار تلك الفعاليات والمناشط من خلال رصد جوائز أكبر ووضع خدمات ممكنة لرياضات الماراثون الصحراوي ( مسالك/ طرق/ علامات/ ممرات/ لوحات إرشادية) ومسابقات السيارات وتحديد موقع الإحداثيات. كما إنه من المهم إضافة فعاليات تراثية تتعلق بالبيئة الصحراوية والشتوية مثل: مسابقة المزاينة والمحالبة للإبل، وتطوير القرية التراثية بحيث تشمل مقتنيات المكان وألوانه التراثية ولوحاته المعبرة عن تراثه المادي والمعنوي المرتبط ارتباطا وثيقا بموقع وبار الأثري. كذلك فإن تدشين مشروع المناطيد ورالي للسيارات في منطقة الربع الخالي وتسيير قوافل لواحات الربع الخالي من موقع المهرجان مثل موقع "واحة بركانه"، و"واحة الباردة" يمكن أن تكون إضافات نوعية للنسخة المقبلة.
  • مسار التكامل مع المهرجانات المشابهة: عنصر التكامل مطلوب لهذا النوع من المهرجانات الهادفة لتعزيز قيمة السياحة الشتوية، فمهرجان الربع الخالي يمكن أن يتكامل من حيث المواعيد وتنويع الفعاليات مع مهرجان المغامرات الصحراوية بولاية بدية على سبيل المثال لا الحصر، كما بالإمكان الاستفادة من تجارب المهرجانات الشتوية المشابهة على مستوى المنطقة.
  • مسار دعم المجتمع المحلي: مثلما كانت الجهود واضحة للنسختين السابقتين من مهرجان الربع الخالي في إشراك المجتمع المحلي المجاور للفعاليات والمناشط، نتوقع من النسخة الثالثة أن تشهد ترسيخا أكبر لهذه الشراكة وتعزيزا للمردود الاقتصادي المنعكس على الأسر والأفراد، وهذا لن يتأتى إلا بتعاون الجميع وتعاضد جهود الجهات الحكومية والقطاع الخاص وتوجيه الجهود المؤسسية نحو هذا الاتجاه.