مصلحجي

 

أنيسة الهوتية

أغلب الناس "مصلحجيين"..! جملة كثيرًا ما نسمعها في كل مجتمع وثقافة! ولكن الواقع أنَّ الناس ليسوا "مصلحجيين" إنما هم على فطرتهم البشرية! والمصلحة هي حاجة! فعندما يكون الإنسان "مصلحجي" يعني هو يتبع أمرًا أو شخصًا حتى يلبي حاجةً في نفسه منه.

إذن ليس هناك خطأ في أن يكون الإنسان الطبيعي -الذي يتبع فطرته مذ كان طفلًا- "مصلحجي"! ولكن، الخطأ في أن تكون هذه المصلحة مسبوقة، أو متبوعةً، أو مرادفة لأذى على شخصٍ آخر بقصدٍ أو بدون، وعدم التعامل مع الأشخاص الذين نأخذ مصلحتنا منهم، بخبث، وطمع، ونذالة!

وعندما تنتهي المصلحة من الواجب ترك الصحبة والرفقة بإحسان مع إبقاء الود والذكرى الطيبة، وبذلك يكون ختامًا لفطرةٍ بشريةٍ بفطرةٍ إنسانية راقية تحت قانوني عدم نسيان المعروف وما جزاء الإحسان إلا الإحسان.

"والمصلحجي" الطبيعي ليس مؤذيًا كأذية ناكر المعروف واللئيم المتمرد بعد إكرامه. وأسوأ نسخةٍ ليس من ينسى المعروف ويختفي! بل المتبع بأذى عداوة وًبغضاءً ولؤمًا وجحودًا وكنودًا مضاعفاً! ومثل هؤلاء لطالما أشبههم باليهود الذين تركهم موسى أربعين ليلةً فقط! فنسوا فيها إنقاذه لهم من جبروت فرعون! وعند رجوعه وجدهم يعبدون عجلًا جسدًا له خوار! فنسوا موسى وقهره لسحرة فرعون بخوار السامري!

والإنسان "المصلحجي" المتتبع لحاجته من خلال تقاربه مع الآخرين فإننا سنجده موجودًا في 99.9% من نسبة الكثافة السكانية حول العالم بكافة أشكاله وأعماره وألوانه وألسنته ودياناته وثقافاته! وهنا لا نستطيع التعرف على نوعه باللون، واللغة، والديانة، والجنسية، والعمر! إنما بختامه الإنساني لتلك الحاجة البشرية! والشخص الوحيد الذي يتبع آخر دون مصلحة هو إنسان ارتقى إلى أعلى درجات الكمال الإنساني بتملكه كمًا هائلًا من الحب والحنان وقدرة العطاء اللامحدود والاهتمام بالآخر دون مقابل. ولانتحدث هنا عن غريزة الأمومة والأبوة أبدًا، لأن حتى الأمومة والأبوة تتخللها حاجات متبوعة متبادلة مع الطفولة! وعلى كلا الطرفين حقوق وواجبات مشروعة في كل القوانين والشرائع والأحكام.

وأول "مصلحجي" في العالم هو المولود الصغير الذي يلثم أمه فيتعلق بها ويراها محور الكون! فهي الحضن الدافئ، والحنان، والاهتمام، والطمأنينة، والراحة، وأيضًا الغذاء! ثم الدلال، والدلع، وكلما يكبر في عمره ويجذبه محيطه بما فيه يقل تعلقه بها إلى أن يكبر ويصبح رجلًا فينفصل عنها تمامًا ثم يجد مصلحةً في امرأةٍ أخرى يبتغيها زوجة، فإن المصالح حاجاتٍ تتبدل مع الوقت والعمر والرغبات! وهنا حاجته لزوجةٍ أكثر من حاجته لأم! ولكنه يختم برقيٍ إنساني قصة "المصلحجية" البشرية التي ابتدأت مع حبه الأول -أمه- ولا ينسى فضلها عليه، فيبر ويهتم بها، ويكمل وصايا الدين والإنسانية تجاهها... ثم يتوجه إلى فطرته البشرية بدون انفصامٍ مع إنسانيته مكملًا تتبعه لحاجته التي "يتصحلج" بها مع زوجته!

وهي أيضًا لها مصلحة منه، فكما يسكن إليها هي تسكن إليه! وتسكن ببيته، تأكل، تشرب، تلبس من خيراته التي يكمل بها واجب قوامته عليها.. وتتفاخر أمام الناس بأنَّ فلاناً الفلاني هو زوجها! سندها، ظهرها، جدارها الذي تتكئ عليه في الأزمات واللزمات وكل ما يأتيه الدهر من نكبات! ولأجله تركت أبًا كان لها كل الحياة! ولكن عندما انتهت مصلحتها بأبيها، وزادت حاجتها لزوج تركته ولجأت إلى الآخر مع إبقاء الإحسان الذي هو جزاء الإحسان.

ومثله في العمل، والصداقة، والصحبة، والجيرة، والزمالة، حتى الدراسة! لو أن الإنسان ليست له مصلحة من الدراسة الأكاديمية بنيل شهاداتها بغية ترقية وزيادة راتب ماكان ليدرس أبدًا وإن كان مثقفًا كان سيستمتع بالقراءة في ميوله الثقافي وليس الأكاديمي!