منصات التواصل الاجتماعي.. من يتحمل مسؤولية ترويج الشائعات وتضليل المستهلكين؟

◄ تأخر نشر الأخبار المهمة يفتح المجال أمام تداول الشائعات

◄ صفحات المؤسسات المرخصة أكثر مصداقية لدى الجمهور من غيرها

◄ السليمانية: على المؤسسات الرسمية أن تكون أكثر تفاعلا مع المتابعين على "السوشيال ميديا"

سراج: هناك استسهال في التعامل مع المعلومة مجهولة المصدر

◄ ساطور: حب الشهرة وجمع المال من أسباب ترويج الشائعات

الكندي: قرار التجارة بشأن "الترويج عبر المؤثرين" سيُقلل وقائع تضليل المستهلكين

الشمري: بعض المؤثرين يقومون بالترويج لمنتجات دون أي أخلاقيات

سعد: نحتاج إلى تفعيل قوانين "الترويج" حماية للمستهلكين

 

الرؤية- فيصل السعدي

باتت منصات "السوشيال ميديا" الوسيلة الأسرع في التواصل بين ملايين البشر حول العالم، وتجاوزت هذه المنصات دور التواصل لتصبح وسيلة رئيسية للحصول على المعلومات وتناقل الأخبار، إلا أنها ساهمت أيضًا في سرعة تداول الشائعات والأخبار المزيفة، لتضع الدول والمؤسسات الإعلامية المرخصة أمام تحدٍ كبير لمواجهة الأخبار غير الحقيقية التي قد يكون سبب نشرها تحقيق الشهرة وجذب المتابعين، أو أسباب خفية تتعلق بأمور اقتصادية أو سياسية أو للنيل من شخصيات عامة أو دولة ما.

في جانب آخر أصبح لهذه المنصات دور بارز في الترويج للمنتجات والسلع، وصار الاعتماد على المؤثرين من الظواهر المنتشرة، الأمر الذي أوقع بآلاف المستهلكين ضحايا لعمليات ترويج مضللة.

وتشير إحصائيات نشرتها We Are Social إلى أن عدد مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي بلغ 2.56 مليار مستخدم، أي ما يعادل 34% من سكان العالم، كما نشرت منصة فيسبوك أن أكثر من 50 مليون شركة صغيرة تستخدم صفحات فيسبوك للتواصل مع عملائها.

ويؤكد محمود سراج الدين صحفي بجريدة الشرق القطرية، أنَّ الأخبار والمواد التي تنشر على منصات التواصل الاجتماعي تكون أقل مصداقية من التي تنشر على المنصات الرسمية للصحف الإلكترونية المرخصة أو صفحات مواقع التواصل للمؤسسات الرسمية، محذرا رواد مواقع التواصل الاجتماعي من الاعتماد على المصادر المجهولة التي تسعى لجلب التفاعل دون النظر إلى حقيقة المعلومة أو صحتها.

محمود سراج.jfif
 

ويصف سراج ما تشهده صفحات التواصل الاجتماعي من تداول للمعلومات والأخبار دون التحقق منها بـ"الانفلات الإعلامي"، بسبب وجود الكثير من الصفحات التي تمتهن الصحافة والنشر دون الحصول على تراخيص قانونية، وهو ما يجعلها غير ملتزمة بالمعايير المهنية أو الأخلاقية، مضيفا: "الاستسهال من البعض وعدم بذل الجهد للتأكد من المصدر هو ما يؤدى لاستخدام مواقع التواصل الاجتماعى والتعامل معها على أنها خبر حقيقى، على الرغم من أنها قد تكون لها أهداف مخفية مثل التحريض لغاية سياسية أو إحداث بعض المشكلات التي قد تصل إلى احتجاجات أو اعتصامات لتنتهي بأزمة يصعب تجاوزها".

من جانبها، تقول الإعلامية مديحة السليمانية، إن العمل الصحفي والإعلامي من الأمور التي تساهم في تقدم الدول وتحسين خدماتها نظرا لما تقوم به المؤسسات الإعلامية من دور بارز في متابعة الأداء العام للمؤسسات، في عالم أصبح فيه من السهل تداول الأخبار وانتشارها، موضحة: "مع تطور الحياة ووجود وسائل التواصل الاجتماعي، أصبحت المهمة أصعب أمام الصحفي بسبب تداخل المعلومات وتسريب بعض الأخبار وتداولها بين الموظفين ونشرها على الصفحات الشخصية لتتلقفها الصفحات مجهولة المصدر، الأمر الذي يجعل الصحفي في حيرة وأمام تحدٍ كبير للبحث عن أصل المعلومة ومصدرها".

مديحة.jfif
 

وتشير إلى أن بعض المؤسسات والشركات عالجت هذه المشكلة عن طريق اعتماد صفحاتها على مواقع التواصل الاجتماعي، الأمر الذي قرّب المعلومة وسهّل وصولها للمتابعين الذين يثقون في المعلومات من الصفحات الرسمية والموثقة. كما ترى أن هناك إشكالية أخرى تتمثل في تحكّم دوائر الإعلام بالمؤسسات فيما ينشر وما لا ينشر، واقتصارهم على نشر الأخبار الإيجابية فقط الأمر الذي يدفع المهتمين للعزوف عن مثل هذه الأخبار والبحث عن النقد وتصيد الأخطاء.

وتضيف: "يجب أن تكون الصفحات الرسمية أكثر حيوية وتفاعلا من خلال التجاوب مع المتابعين والرد على استفساراتهم وقبول النقد، حتى لا تترك مجالا للشائعات والأقاويل خصوصا عند التأخر في نشر توضيح أو خبر مهم ينتظره الكثيرون مثل أخبار الإجازات الرسمية أو المنخفضات الجوية أو اعتماد قرارات جديدة تهم المواطن بشكل مباشر".

وتبيّن أن هناك وجه آخر لقوة وتأثير منصات التواصل الاجتماعي، وذلك من خلال الأفراد المؤثرين الذين يتابعهم عشرات الآلاف، موضحة: "البعض منهم يبدأ بقصد العمل الإنساني ثم يتحول إلى مارد لا يمكن السيطرة عليه، فيبدأ بالحديث عن كل شيء وأي شيء، الأمر الذي يشتت الجهود ويخلق سخطا عاما من حدث لم يتم التحقق منه بعد، فيكون من الصعب إعادة الرأي العام للرأي المعتدل بعد تشويه الصورة  الحقيقة للخبر".

ويعتبر الدكتور محمد مختار ساطور أستاذ العلاقات العامة في جامعة السلطان قابوس، أن الجانب الإيجابي في منصات التواصل الاجتماعي يكمن في خلق مساحة للتعبير عن الرأي والفكر، الأمر الذي يساهم في الارتقاء والنهوض بالمستوى الفكري والثقافي للجمهور، ومع ذلك فإنَّ الجانب الآخر لهذه المنصات يكمن في جذب الانتباه من خلال فبركة الأخبار للحصول على التفاعلات والتعليقات وتحقيق نسب مشاهدة عالية في سبيل الحصول على الأموال، مشيرا إلى أنَّ المال جعل البعض من النشطاء يقدمون محتوى رقميا كاذبا وخاليا من المصداقية لخداع الجمهور وتحقيق شروط تفعيل الإعلانات في حساباتهم الشخصية، دون مراعاة التأثير السلبي لخداع المتابعين ونشر الأخبار الكاذبة.

د. محمد مختار ساطور.jfif
 

ويلفت إلى أن الجمهور أصبح يعتمد بشكل كبير على وسائل التواصل الاجتماعي لمعرفة الأخبار ومتابعة المستجدات، نظرا لسهولتها واستخدامه لها بشكل متواصل، مبينا: "لكن الجمهور الواعي المثقف لديه الفطنة لكي يكتشف الأخبار المزيفة ويلجأ لوسائل الإعلام الموثوقة لمعرفة حقيقة الأخبار لأن وسائل الإعلام المرخصة تتمتع بالمهنية العالية والمصداقية، وسوف يستمر الصراع بين المؤسسات الرسمية ومنصات التواصل الاجتماعي".

من جهة أخرى وفيما يخص الترويج للمنتجات على وسائل التواصل الاجتماعي، يقول الإعلامي أحمد الكندي، إن نشطاء هذه المنصات يقومون بالترويج للعديد من المنتجات بطريقة عشوائية دون تخصص أو استراتيجية مدروسة مثلما تفعل الوكالات الإعلانية المتخصصة، كما يقوم البعض بالمبالغة والتهويل وذكر إيجابيات غير موجودة في المنتجات لاستقطاب المستهلكين.

أحمد الكندي.jfif
ويوضح: "السبب وراء نجاح هذه الفئة أنهم يمتلكون عددا كبيرا من المتابعين الأمر الذي يجعلهم أمام مسؤولية اجتماعية كبيرة حتى لا يقومون بتضليل المتابعين مقابل الحصول على مقابل الإعلان عن المنتجات وعليهم أن يتحروا الدقة حول المنتج الذي يروجون له"، مطالبا الوكالات الإعلانية بتطوير سياساتها التسويقية بما يتناسب مع اهتمامات الجمهور ومواكبة آخر التطورات التكنولوجية".

ولا يمانع الكندي من الاعتماد على المؤثرين على مواقع التواصل الاجتماعي، بشرط أن يتم ذلك وفق القوانين والاستراتيجيات الإعلانية المتبعة، لافتاً إلى أن اللائحة الأخيرة التي أصدرتها وزارة التجارة والصناعة وترويج الاستثمار بإلزامية تسجيل المُعلنين سيكون له الأثر الإيجابي والحد من عمليات التضليل.

من جانبها، تعتبر الإعلامية إيمان حمود الشمري أن بعض المؤثرين يتعاملون مع عمليات الترويج عبر صفحاتهم دون أي أخلاقيات أو مصداقية، ويستهدفون استقطاب المستهلكين بغض النظر عن الأبعاد المترتبة على ذلك والتي قد تتسبب في خسارة مال المشتري  أو الضرر الصحي في حال كانت السلعة عبارة عن فيتامينات أو مواد تنحيف أو بناء عضلات وغيرها.

إيمان الشمري.jfif
 

وتشدد على ضرورة إخضاع  المحتوى الترويجي للرقابة، حتى تتمكن الجهات المسؤولة من التحقيق في حال وجود أي شكاوى أو تضليل المستهلكين، وحتى يقف الجميع عند مسؤولياته المنوطة به سواء التاجر صاحب السلعة أو المؤثر الذي يقوم بالترويج، مؤكدة: "لا ننكر أهمية مشاهير التواصل الذين يحظون بمتابعة ومشاهدات عالية من قبل جيل الشباب المستهدف حاليا لكن يجب أن يكونوا على علم بمدى المسؤولية عند الترويج لأي منتج، وأن يعلموا حجم دورهم في نقل الصورة المناسبة لزيارة الفعاليات والأنشطة، ولكن يجب أن يتم الاجتماع بهم قبل الفعالية وتوضيح الفكرة والهدف من الفعالية وتزويدهم بالمعلومات الكافية ليكون المحتوى هادفا وواضحا حتى لا يسيء لنوع الحدث ويقلل من أهميته ويستخدم كمادة فكاهة واستهزاء.

ويشير محمد سعد رئيس تحرير صحيفة براون لاند السودانية، إلى تراجع الإقبال على الشركات الإعلانية الكبيرة بسبب ظهور مشاهير السوشيال ميديا، مبيناً أن فرص الإعلانات انحازت إلى صانعي المحتوي الذين يستهدفون المتابعين ولا يملكون  المهارات اللازمة لصنع محتوي يليق بالعقل الجمعي للمستهدفين، بعكس الشركات والمؤسسات المؤهلة ماليا وفنيا ولديها خبرات علمية وعملية تؤهلها للعمل في هذا المجال.

محمد سعد.jfif
 

ويطالب سعد بتفعيل القوانين الخاصة بجرائم المعلوماتية حتى لا يقع المستهلكون ضحايا لعمليات الترويج المضللة.

تعليق عبر الفيس بوك