أيام شامية

نحلة واحدة لا تجني العسل!

 

أمينة أحمد **

تتصف البيئة الشامية بشتاءٍ باردٍ وصيفٍ حار، ويكاد لا يخلو بيت "عربي" (تعني بيت مستقلّ تتوسطه بحرة ماءٍ) دمشقي قديم من وجود غرفةٍ صغيرة باردة غير مُعرّضة لأشعّة الشمس تستخدم لتخزين الغذاء المُجفف لتأمين قوت الشتاء واحتياجات الطعام، ويُسمّى بالشامي "بيت المونة" والمونة هي عبارة عن الطعام الذي يتم تحضيره من الفواكه والخضروات كلٌ في فصلها، وغالبيتها العظمى في فصل الصيف، تقطّع وتطهى وتجفّف بطرقٍ بسيطة، وخاصة بكل نوعٍ منها، كما تفعل تلك النملة الصغيرة التي تخزّن حبّات القمح في الصيف الحار لتؤمّن غذاءها في فصل الشتاء البارد، وهنا تبدأ المؤازرة والتعاون بين نساء الحيّ، فعندما يبدأ أحد بيوت الحي بإعداد المؤونة تتوافد نساؤه إليهم في الصباح الباكر لإعانتهم فالكميات التي تعدّ تحتاج الكثير من العمل والجهد، وفي اليوم التالي ينتقلون إلى البيت المجاور ويساعدون صاحبته في إعداد المؤونة وصولاً لانتهاء الجميع من تلبية احتياجاتهم، ذلك يمثّل روح التعاون ورقي الأخلاق والجانب المشرق للذات الإنسانية.

     التعاون على بساطته قد علّمنا الله إياه في كلّ شيء من حولنا، من أسراب النحل التي تطير لتجمع لنا العسل، ومن أسراب الطيور التي تهاجر وتعود بشكلٍ جماعي وفق شكل الرقم 7 ويتم تبادل الأدوار والأماكن فيما بينها ليبقى السرب قوياً، وهذا ينعكس أيضاً في تعاون الإخوة ضمن الأسرة الواحدة من أجل تلبية متطلّباتها، فالتعاون هو سلوك غريزي اجتماعي يهدف إلى المنفعة الجماعية العامة ويمنح الإنسان الكثير من الثقة والطمأنينة والراحة النفسية، لذا يُنصح كل من يعاني من تعبٍ أو إرهاقٍ نفسي بأن يندمج بالعمل التطوّعي الذي يعود بالمنفعة على شريحة معيّنة من الناس هم بحاجة إلى العون دون مقابلٍ مادي، ويجب ألا يرتبط التعاون بالأمور المادية، فهو أسمى من ذلك، لأنّه يرتبط ببساطة بالروح المعنوية، ويرتبط بالروح الإنسانية، شيء يصنعه الإنسان لذاته لأخلاقه لإنسانيته ومن خلاله يمكن أن يعبر إلى بر الأمان والسلام، مع كل من حوله، وتكاد لا تخلو مجتمعاتنا العربية من التعاون الذي حضّ عليه القرآن الكريم بالآية الكريمة "وتعاونوا على البرّ والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان".

     ولنزرع هذا الفكر بدءاً من أصغر خلية في المجتمع التي هي الأسرة، عندما يتعاون الأم والأب في تلبية احتياجات المنزل كلٌ ضمن إمكانياته ومجال عمله ودوره فيها، والأم مع أولادها في ترتيب المنزل، وتتعاون الأسرة مع الجد والجدّة في قضاء حوائجهم التي تبدو صعبة عليهم بسبب فارق العمر وكبر السن، والجار المتعاون مع جيرانه ليكونوا جميعاً على أحسن حال، ومن ثم ننتقل قليلاً لنبلور فكرة التعاون من خلال المدرسة عندما نعلّم الأطفال التعاون مع أقرانهم بتنظيف المكان وترتيبه والرسم الجماعي أو إنشاء مجلّة الحائط أو مشروع دراسي هادف بإشراف المعلّم، فلو زرعنا هذه البذور الصغيرة في عقول أبنائنا وتلّقوها منَّا بأسماعهم وأبصارهم عندما نترجمها بأفعالنا نكون قد غرسنا لديهم تلك الأشجار الباسقة في المجتمع التي ستعطي ثمارها من الحب والعطف والتعاون بما يؤدي لخدمة المصلحة العامة وتحقيق التنمية والازدهار على مستوى المجتمع ككل.

وإن أردنا أن يصبح التعاون من أهم سلوكياتنا وسلوكيات أبنائنا فعلينا أن ننخرط بالعمل التطوعي المجتمعي الذي يعطينا الفرصة الكاملة لنحمل مسؤولياتنا المجتمعية وبث روح المحبة والتعاون والألفة وبالتالي يعزز طرق التواصل مع الآخرين ويزيد من الإبداع بتطوير الأفكار الجماعية وتقليص المسافات مع الآخرين لنرقى بروح الفريق، فليكن العمل التطوعي جزءًا من حياة أبنائنا منذ الصغر ... والأمر سهل وبسيط لا يحتاج إلا لتفريغ بعض الوقت والاندماج في إحدى الجمعيات الخيرية التطوعية.

*كاتبة سورية

تعليق عبر الفيس بوك