كن مزيجًا

 

هند الحمدانية

يقول الله تعالى: "وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِّنَ الْمُحْسِنِينَ".

نعبد الله سرًا وعلنًا، حبًا فيه ورغبة في جنته ومخافةً من ناره، خوفًا منه وطمعًا برضاه، وهنا يكمن أصل حكايتنا، هنا يصبح للتضاد ألف معنى، فنحن فُطِرنا على هذا التباين في المشاعر وعلى هذا التضاد العجيب الذي يعطي للأشياء قيمة وأهمية، وقس على ذلك كل الأشياء والمواقف والأحاسيس والأمور المادية والمعنوية التي يتعايش معها أو من خلالها الإنسان؛ كالسعادة والحزن أو الفقر والغنى أو الصحة والمرض أو الميلاد والموت.

فالإنسان في حد ذاته مُعجزة من التباين الذي يجعل من تكوينه الإنساني شيئًا فريدًا ومزيجًا لذيذًا بنكهة كل تجارب الحياة وجعها وفرحها وخمولها وانتعاشها، وكما قال الدكتور إبراهيم الفقي: "لولا وجود عكس المعنى لَما كان للمعنى معنى"، فهل جربت هذا التضاد؟ هل جربت أن تتعايش معه على طريقتك الخاصة؟

شخصيته جادة وأسلوبه حازم يتخذ القرارات ويسيطر على المجريات، لكنه حليمٌ جدًا في مواطن الغضب، واسع الصدر ومحب للعفو والإحسان، يأسرك هذا الإنسان الذي يتميز بتركيبته الخاصة من الصفات المتضادة، صاحب سلطة وقوة وذو هيبة في مجتمعه ووسط أقرانه ولكنه ما أن يدخل بيته يخلع ثوب سلطته عند قدمي والدته راجيًا منها رضاها أو متواضعًا لمسكينٍ دق عليه نافذة سيارته الفارهة رادًا السلام عليه دون أَن ينهره، مزيجٌ رائع حقا لامرأة تلبس زي سيدة الأعمال الأنيقة في النهار ثم تعود ترتدي لباس الزوجة المُطيعة وهي تعجن الخبز لأهل بيتها مع حلول المساء، كوكتيل ممتع تتداخل مكوناته وتتكامل بين اللطف والشدة.. النجاح والتواضع.. المرح والالتزام.. المنصب والبساطة.. الجمال والعفة.

لم لا تكون أنت هذا المزيج؟! لم لا تنتقي معالم شخصيتك وسماتك التي ترافقك أينما ذهبت؟! لم لا تجرب أن تختار صفاتك وتقرر كيف تريد أن تصبح ماهيتك؟ كن لينًا وهينًا عندما يتطلب الأمر ذلك، كن شديدا وصلبا إذا أردت أيضًا، كن متسامحا وقدم للآخرين عفوًا، كن فخورًا بنفسك متباهيًا بأخلاقك وذليلا ضعيفًا على عتبة محراب ربك، كن مزيجًا متجانسًا من الصفات؛ حيث لا يطغى الحلو على المر ولا الغليظ على اللين ولا الشديد على المسكين، كن سعيدًا وضاحكًا متى شئت ودرويشًا منكسرًا بين يديه، كن كل شيء في شيء واحد عندها فقط سوف تشعر بلذة الحياة.

 

 

تعليق عبر الفيس بوك