سعد التميمي لـ"الرؤية": الرعاية السامية للفنون والآداب وراء النقلة النوعية في المسيرة الإبداعية بعُمان

...
...
...
...
...
...
...
...

◄ عُمان تعيش نهضة ثقافية كبرى

◄ الأدب الخليجي يعكس المرجعية الثقافية والاجتماعية والبيئية

◄ يعاب على المثقف اختيار خطاب نخبوي لا يؤثر في المجتمع

◄ نحتاج إلى إنشاء مؤسسات ومشاريع تهتم بترجمة الأدب العربي

◄ تنمية الشعر المسرحي تبدأ من الأنشطة المدرسية والطلابية

أشاد الدكتور سعد التميمي، أستاذ البلاغة والنقد والأسلوبية والبلاغة الجديدة والأدب المقارن بالجامعة المستنصرية، بما تشهده عمان من نهضة ثقافية كبرى في ظل الرعاية السامية لحضرة صاحب الجلالة السُّلطان هيثم بن طارق المعظم- حفظه الله ورعاه- وصاحب السُّمو السيد ذي يزن بن هيثم آل سعيد وزير الثقافة والرياضة والشباب، وهو ما يتجلى فيما يزخر به المشهد الثقافي من تنوع مثرٍ.

ويؤكد التميمي أن سلطنة عمان ومنطقة الخليج العربي تعيش مرحلة من تطور وازدهار الآداب والفنون، في الوقت الذي تميز فيه الكثير من المبدعين والمبدعات في المجالات المختلفة من الشعر والقصة والرواية والمسرح ممن أثبتوا جدارتهم ووصلوا إلى العالمية.

وللتميمي إسهامات نقدية وبحثية وإبداعية كثيرة ومن بينها: "البناء الفني للقصيدة السياسية في العصر الأموي"، و"مباحث في علم المعاني"، و"مباحث في علم البيان" و"دراسات في البلاغة والنقد"، و"خصائص الأسلوب في نهج البلاغة" و"دراسات في الشعر اليمني المعاصر"، بالإضافة إلى أكثر من 20 بحثا منشورا في مجلات علمية مُحكّمة في العراق وخارجه، فضلا عن عشرات المقالات النقدية المنشورة في الصحافة العربية والعراقية.

 

الرؤية- ناصر أبوعون

كيف ترى العلاقة الجدلية بين الإبداع الأدبي والنقد؟

العلاقة بين الأدب والنقد ذات طبيعة جدلية تقوم على التلازم والتفاعل لحاجة كل منهما للآخر، فالأدب لا يُحقق ذاته إلا بالقراءة والتلقي من قبل متلق عارف بأسرار الأدب، وهو العليم بحسب ما يطرحه منظرو نظرية القراءة والتلقي، لذا لا يمكن أن ينفرد أحدهما عن الآخر.

وإذا كانت العلاقة بين الأدب والنقد جدلية فإن علاقة كل منهما بالإبداع أيضاً تتسم بالجدلية فكل منهما إبداع، فإذا كان الأدب عملية خلق جوهرها الانفعال على حد قول برجستون، فإن النقد أيضًا عملية خلق جوهرها التفاعل مع الأدب في باب النقد الإجرائي، أما على مستوى التنظير للمناهج وتحديد المصطلح فإنه لا يخرج عن دائرة الإبداع وإن جنح نحو الفلسفة والتعبير عن التحولات الفكرية التي تسود في فترات زمنية مختلفة، وفي الغالب يكون صداها أولا تحول في الأدب على مستوى الموضوعات والبناء الفني، لذلك فإن مواكبة النقد كإبداع  للأدب بوصفه إبداعا أيضا تنطلق لاشتراكهما في أكثر من صفة، فالحساسية الجمالية، والمرجعية الثقافية والقدرة على التحليل والتعبير من صفات المبدع أديبًا كان أم ناقدًا بحسب إليوت.

وهنا نؤكد أن النقد في مواكبته للأدب لايقتصر على وظيفة الوسيط بين النص والمتلقي العادي، بل هو يفعّل ما يمتلكه من ذائقة وثقافة وأدوات ومعرفة بالمناهج النقدية في تقديم قراءة تعيد إنتاج النص، لأن الأدب بقدر حاجته للمفاهيم النظرية يتطلب الوعي بالجانب الجمالي، من أجل التغلغل في النص الأدبي وتقديم خطاب نقدي متميز يتسم بالأدبية.

وما علاقة المثقف بالسياسي من وجهة نظرك؟

تبقى علاقة المثقف بالسياسي ضبابية لايمكن فرزها بشكل واضح، ويقول سارتر في هذه الباب إن المثقف الذي لا يشتبك مع عصره ومشكلاته يُفوت على نفسه فرصة تاريخية إلى الأبد، لذلك لابد أن نفرق بين المثقف الحقيقي والمثقف المزيف الذي لا يقول (لا) بل يردفها بـ"لكن" وهنا تبدأ المداهنة والانتهازية، وعبر كل العصور في عالمنا العربي يُعاب على المثقف غيابه واصطفافه مع السلطة، أو الانعزال في إطار معرفي ضيق واختيار خطاب نخبوي لا يؤثر في المجتمع.

وعندما نتكلم عن علاقة المثقف بالسياسي لا ننسى الموقف الذي يجب أن يمتلكه المثقف، والرسالة التي يؤمن بها بأن يكون مندمجا بالواقع وأن لا يبقى في برجه العاجي منفصلا عن الواقع لأنه في ذلك لا ينتج خطابًا فاعلًا، فالبقاء في دائرة النخبة يجعله مثقفًا سلبيًا إذ يقع على عاتقه وظيفة التنوير وإشاعة الوعي بين الجمهور من أجل المساهمة في بناء الرأي العام، الذي يصحح مسار السياسة في مراحل قلقة قد تمر بها البلد، فلا يكفي أن يكون المثقف صاحب مرتبة علمية ومعرفة واسعة لكنه منفصل عن محيطه الاجتماعي.

هل نعاني من مشكلة في ترجمة الإبداع العربي للغات أخرى؟

لا يخفى على أحد أن الترجمة تعد نافذة لتبادل المعرفة بين الأمم، وترجمة الأدب العربي إلى اللغات الحية الأخرى من أجل التعريف به أمر موجود ولكن بشكل محدود جدًا وبمبادرات فردية من قبل بعض المترجمين، لذلك يجب إنشاء مؤسسات خاصة ومشاريع كبيرة تأخذ على عاتقها ترجمة الأدب العربي، كى لا نبقى مستقبلين ومتأثرين فقط؛ بل مصدرين ومؤثرين في الآخر أيضًا، ولا يكون ذلك إلا بتفعيل العمل المؤسساتي في الترجمة.

هل انقرض الشعر المسرحي عربيا؟

إن تراجع الشعر المسرحي ووصوله حد الانقراض ليس غريبًا؛ فالمسرح الشعري في أوروبا تعرّض في نهاية القرن التاسع عشر لهذه الأزمة عندما حل النثر بديلًا عن الشعر إلا أن بعض الشعراء مثل "بريخت" و"لوركا" استطاعوا إعادة المسرح الشعري إلى الواجهة وإعادة الصلة بالجمهور.

وعربيا تعرّض المسرح الشعري أيضا لمثل هذه الظروف فبعد الفترة الذهبية في الربع الثالث من القرن العشرين أصبح المسرح الشعري فنًا نخبويًا يحتاج إلى ذائقة خاصة لا نجدها في  الجيل المعاصر، وأصبح مسرح الشعر مقتصرا على المهرجانات والمسابقات وبعض المناسبات، لذلك من الضروري أن نستفيد من دعوة "إليوت" عندما تراجع المسرح الغربي من خلال كتابة المسرح الشعري بلغة قريبة إلى اليومي ليتفاعل معه الجمهور في الوقت الحالي، في ظل التحولات الثقافية والاجتماعية لإعادة الحياة للمسرح الشعري، فضلا عن إدخاله في النشاطات المدرسة والطلابية من أجل تنمية الذائقة الشعرية.

هل توظيف الفنون البصرية والحديثة  في الأدب أمر ضروري؟

بالطبع، وتأتي أهمية توظيف الفنون البصرية المتمثلة بالرسم والنحت والصورة والأفلام في تحفيزها المتلقي، وتأتي أهمية الصورة في ظل التحول التكنولوجي بوصفها علامة دالة ومرآة تعكس المعنى وتجسده في صورة ذات أبعاد محددة ترتبط برؤى منتجها، وقد كان التفاعل بين الأدب والفنون الأخرى بشكل عام والفنون البصرية بشكل خاص واحدا من الأهداف التي نادت بها المدرسة الأمريكية في النقد الجديد.

ولذلك نجد تجليات التبادل بين الفنون البصرية والأدبية في الرواية والشعر من خلال استثمار هذه الفنون التي ساعدت في  تشكيل  جوانب متنوعة ومؤثرة في الأدب، من خلال تشابك الفن البصري والآداب المختلفة، ومن مظاهر توظيف الفنون البصرية القصيدة التفاعلية وتوظيف الأغلفة كصورة بصرية لها دلالتها على العمل.

ماذا عن علاقة الرواية والشعر.. هل هي تصارع أم تنافسية؟

الصراع بين الأجناس الأدبية "شعر، قصة، رواية" من جهة، وبين الأنواع داخل الجنس الواحد "قصيدة الشطرين، قصيدة التفعيلة، قصيدة النثر" طبيعي ومستمر وينقسم حوله الأدباء والنقاد، تحت ذريعة أن هذا الجنس الأدبي وذاك النوع الشعري لا يلبي حاجات العصر، والآخر مناسب ويلبي متطلبات العصر.

ومن هنا تتجدد الدعوة بأن العصر الحالي هو عصر الرواية علما بأن هذا الرأي طُرح في أوربا مع نشأة الرواية الحديثة، لكن هل هذا الأمر مسلم به؟ الجواب: كلا فالساحة تسع جميع الأجناس الأدبية التي هي بدورها لم تبق على حالها؛ بل هي في تجديد وتطور وتحديث؛ فالشعر مرّ بمراحل من التحديث والرواية والموسيقى والسينما والتشكيل كذلك.

 ونؤكد أن هناك بعض الموضوعات لا تستوعبها القصيدة لكن الرواية تنجح في ذلك، لكن هناك موضوعات أيضا لا تناسبها القصة أو الرواية بل تحتاج قصيدة شعرية؛ لأن القصيدة لها وظيفة غير تلك التي للرواية.

هل حققت صناعة النشر في الوطن العربي خطوات كبيرة؟

صناعة النشر في الوطن العربي ما زالت في أول الطريق مقارنة بالغرب، على أمل أن تنمو هذه الصناعة وتزدهر لتلبي حاجة الكتاب والمبدعين من جهة والقراء من جهة أخرى، ولعل حركة الإبداع المتسارعة هي من تدفع بدور النشر للتطور على مستوى الصناعة وتقديم الخدمات للمبدعين من أجل تسهيل عملية طباعة إبداعهم، وفي السنوات الأخيرة أصبحت معارض الكتاب التي تحتضنها العواصم العربية حاضنة فاعلة للمبدعين والقراء على حد سواء، من خلال الترويج للأدباء وتسويق إبداعهم، ومع ذلك يواجه عدد كبير من المبدعين صعوبات كبيرة عند شروعهم في نشر نتاجاتهم ففي الغالب يتحمل أجور الطباعة ويقع أحيانا على عاتقه عملية تسويق كتبه.

وكيف ترى تطور مسيرة الأدب والفنون في منطقة الخليج؟

لم تمنع حياة الرفاهية والاستقرار التي يعيشها المجتمع الخليجي من تطور وازدهار الأدب والفنون، فظهر العديد من المبدعين والمبدعات في الشعر والقصة والرواية والمسرح والنقد وقد أثبتوا جدارتهم في الساحة الإبداعية العربية، فضلا عن ظهور عدد من المؤسسات الثقافية التي أخذت على عاتقها نشر الثقافة والإبداع بشتى أشكاله ودعمت المبدعين وروجت لأعمالهم وسوقت نتاجاتهم.

وإذا كان الأدب الخليجي ينتمي إلى بلدان مختلفة وإن الإبداع الأدبي عابر للحدود فإنه بمرجعية ثقافية وهوية واحدة، وتكاد تكون القضايا التي يعالجها واحدة، و قد أثبت الأدب الخليجي جدارته؛ فالمتابع للمشهد الأدبي المعاصر في الخليج العربي سيجد حضورًا فاعلًا في الساحة العربية على مستوى الشعر والقصة والرواية والمسرح والملفت للنظر حضور المرأة بقوة في الأدب العربي المعاصر، ومما يؤكد ذلك تنافسهم على العديد من الجوائز وفوزهم بعدد من الجوائز العربية، وبالإضافة إلى ما يمثله من قيمة إبداعية؛ فإنِّه يعكس مرجعية ثقافية واجتماعية وبيئية واحدة جعلته يوضع تحت عنوان الأدب الخليجي.

 

ما هي مشتركات التاريخ والإبداع بين عمان والعراق؟

إن النهضة الثقافية التي تعيشها سلطنة عمان الآن هي امتداد لتاريخها العريق بما يتضمنه من سرديات وتراث إبداعي وأدبي ارتبط بالجغرافية العمانية وبالإنسان العُماني، ومنذ سبعينيات القرن الماضي بدأ الأدب العماني خطوات ثابتة نحو التطور والازدهار والانفتاح على محيطه العربي والدولي، وتفاعل مع أطروحات الحداثة دون أن يقطع جذوره مع تراثه الغني، وقد رافق ذلك تطور الصحافة والمجلات الثقافية الأدبية والمؤسسات الثقافية، كالنادي الثقافي والجمعية العمانية للكتاب والأدباء العُمانية، واتسعت دائرة المتلقين مع الأدب بأجناسه المختلفة، كل ذلك عززته الرعاية السامية من قبل صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق- حفظه الله ورعاه- وصاحب السموّ السيد ذي يزن بن هيثم آل سعيد وزير الثقافة والرياضة والشباب، ودعم القيادة السياسية لسلطنة عُمان.

أما علاقة السلطنة بالعراق فهي تعود لعدة قرون وهي علاقة تعاون وتبادل تجاري وثقافي في مجالات شتى، وفي العقود الأخيرة استقبلت عُمان عددا غير قليل من العلماء والمثقفين والأدباء العراقيين واحتضنتهم، وقد عملوا على تنشيط الحركة المسرحية التي ازدهرت بشكل كبير.

 

 

 

 

تعليق عبر الفيس بوك