ما لم يقله تقرير "جهاز الرقابة"

 

فاطمة الحارثية

شاركنا بكل شفافية جهازُ الرقابة المالية للدولة منذ بضعة أيام، تقريرًا فتح لنا آفاقًا، ورسم تطلعات تساهم في إرساء ركائز حلمنا أن نصبح في مصاف دول العالم، فلقد كشف لفكري البسيط مستويات النضج المؤسسي الذي انعكس من خلال ما تم التصريح به، ونسج بعض الرؤى التي نحتاج للتركيز عليها من أجل تكملة وتقوية البناء، ودعم محاور الرؤية والسياسات والخطط الموضوعة، وأننا في المسار الذي نحتاج أن نكون عليه.

لقد بيّن لنا التقرير بعض الفجوات التي لا بُد لنا من تعزيزها، والعمل على إحداث نقله نوعية لمؤسساتنا لنتحول من مؤسسات ذات نهج رد الفعل إلى مؤسسات استباقية، أي نستشرف الأثر قبل أن يؤثر علينا، ونحوله من أثر مهدد إلى أثر إيجابي، يخدم الأداء والتطور والتنمية العمانية، بقدرات قيادية استثنائية تهيمن بسيادة وقيم ومبادئ واضحة ومرنة.

رأينا- من خلال التقرير- مستويات النضج وسبل تعزيز بعض تلك العمليات، والتفاعل من إجراءات واضحة ترسخ مبادئ آمنا بها، وفي المقابل استشفت بعض الأمور كأهمية تعظيم وتعزيز الحوكمة، وإعادة صياغة دور الرقابة الداخلية/ التدقيق الداخلي للمؤسسات، وتعزيز دور الدوائر وأقسام الشؤون القانونية، لأن التجاوزات لا تحصل إلا عندما تتراخى أجهزة المتابعة والحماية المؤسسية سواء للمؤسسة أو العاملين عليها.

الرقابة تعمل على استقرار وضمان سير الأعمال حسب ما تم اعتماده وتوثيقة من أنظمة وسياسات، وما تقوم به بعض المؤسسات من صناعة ثغرات في تلك السياسات والإجراءات لتحول دون التحقق من الانضباط في بعض المسائل، دليلٌ على ضرورة وجود يد قوية تُعلم الحق، وتعظمه في التنظيمات والأداء والأعمال، حتى يدرك كل من تسول له نفسه عرقلة المصلحة العليا والأعمال، أن جهود الفساد لا تفلح، وأن صناعة أنظمة غير واضحة أو سلب الموظفين حقوقهم والتنكيل بهم- من قمع وتربص وأذى إذا رفضوا الخنوع للفساد- له نهاية، وثمة أجهزة رقابية تحمي المواطن والوطن، وأن كل من يقف عقبة أمام نهضة الوطن لن يدوم على كرسيه، وفي هذه الأرض الطيبة ما زال هناك مواطنون جادون ومخلصون يعلمون ويُعلمون مبادئ العدل والحق.

إنَّ وجودنا في مكان وزمن ما لم يكن عبثًا، فنحن نكمل مسيرة خلافة الله على الأرض، ونشر مفهوم السعي والإخلاص، حتى يكون حجة لنا لا علينا يوم الحساب، فالصادق يجازى بصدقة، والظالم يأتي بما ظلم أمام عدل الخالق قبل خلقه.

*****

ألق...

الأعظم من الخطأ أن تقع تحت وطأة وزمرة قوم وصفهم الله تعالى في كتابه الكريم "كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ ۚ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ" (المائدة: 79)؛ فالمسؤولية ليست شعائرَ، ولا أسرارًا ولا تفضيلَ من أعرف ومن لا أعرف؛ بل أمانةٌ على عاتق كل مُكلف على الأرض، والحساب لن يكون حسب المحسوبيات يوم يفر المرء من عمله وحبيبه ومواليه. فإمَّا صحبة تُقربني لرضا الله وإما صحبة تفقدني قيمتي.