تمكين السبلة العُمانية

 

سالم البادي (أبو معن)

نعيش اليوم في ظل تحديات ومتغيرات متسارعة، في عصر الثورة الصناعية الرابعة والتي جعلت التكنولوجيا جزءًا أصيلًا من ثقافة المجتمعات، وفي خضم هذا التقدم أضحت مجالسنا العامة "السبلة العُمانية" واسعة وخاوية على عروشها، وأصبحت قلوبنا ضيقة وخالية، إلا من رحم ربي.

كانت المجالس يُضرب بها المثل في التآلف والقيم والأخلاق والترابط والتعاضد والتعاون والتكاتف المجتمعي، وفي الفكر والثقافة والعلم والمعرفة، لكن أصبحت اليوم يتباهى بها المتباهون في العمران والطراز والرخام والديكورات والمساحات والمرافق وغيرها، ويتنافس فيها المتنافسون المسرفون من خلال الموائد والولائم، مجالس صُرفت فيها مئات الآلاف من الريالات لأجل المظاهر الخداعة الزائفة، وغُيِّبت وطُمست عنها هويتها العمانية، وغابت منها أدوارها الحقيقية لبناء المجتمع والأمة.

اللقاءات الاجتماعية والثقافية في مجالسنا أصبحت نادرة جدًا، وإذا ما صارت يخيم عليها جو من الصمت الرهيب وعدم الاكتراث بدورها؛ بل أصبح الشغل الشاغل لكثير من الحضور متابعة هواتفهم النقالة.

السبلة العمانية للأسف غاب منها التواصل المجتمعي والاهتمام بمصالحه، وفقدت المجالس هدفها الذي توارثته الأجيال؛ حيث فقدت رونقها الاجتماعي المشرق، وصفاوة ونقاء قلوب جلاسها المتحابين في الله، فقدت أهمية اكتساب العلم والمعرفة والثقافة وتطوير الذات، فقدت أهمية الحفاظ على كرم الأخلاق وغرسها في الأجيال، وفي المقابل خيم عليها السكون، ولم يعد لدى أفراد المجتمع القدرة على توظيف ما كانت تحققه السبلة من منافع. السبلة العُمانية كانت منبعًا لغرس المعاني والقيم والمبادئ، وتعزيز وتمكين الأصالة الوطنية وروح التعاون والألفة والمودة والمحبة بين جميع شرائح المجتمع العماني.

وحتى نعيد دور المجالس المجتمعية الوطنية العمانية "السبلة" في حياة أفراد المجتمع نضع جملة من المقترحات، تتضمن: إقامة وتفعيل المجالس المجتمعية (السبلة) في جميع ربوع البلاد، بحيث تشمل جميع القرى والمناطق والأحياء السكنية. وكذلك سن قانون ولائحة تنفيذية تنظم عمل هذه المجالس، ومراعاة التكامل والتنسيق مع كافة الجهات الحكومية لتعزيز التلاحم المجتمعي وتقوية أواصر الترابط الاجتماعي. ومن بين المقترحات كذلك أن يتم تعيين القائمين على هذه المجالس بالانتخاب من بين أفراد الحي أو القرية، وتخصيص ميزانية سنوية للمجالس بحسب تعداد سكان الحي أو القرية، لمساعدتهم على أداء واجبهم. وتتولى المجالس مسؤولية متابعة ورقابة والإشراف على جميع المناسبات الاجتماعية والدينية والثقافية والترفيهية وغيرها. وأن تعمل هذه المجالس على نشر الوعي الاجتماعي والقيم والعمل على الحفاظ على الموروثات الشعبية والعادات والتقاليد الاجتماعية، فضلا عن غرس روح التعاون والألفة بين شرائح المجتمع.

لا شك أن المجالس العمانية إرث حضاري ورمز لتقاليد عُمانية راسخة ومتأصلة، وتبقى محور اتصال ووصال، ولا شك أنها ستبقى أسلوبًا فريدًا ومنبرًا فكريًا وثقافيًا في سجل تاريخ عُمان العريق، وزادًا حضاريًا للأجيال المتعاقبة، ومرجعًا للمهتمين والباحثين والدارسين في بحور الفكر العماني وسبر أغوار تراث وتاريخ وحضارة بلادنا العزيزة سلطنة عمان.

وأخيرًا.. إنَّ تمكين السبلة العمانية من القيام بأدوارها، لا سيما في ظل التحديات والمتغيرات المتواصلة، أصبح أمرًا ضروريًا، لكي نضمن الحفاظ على مكتسباتنا الوطنية والتاريخية والحضارية، وقيمنا ومبادئنا من الاندثار والضياع في ظل ما يموج به العالم من حولنا من تيارات العولمة المختلفة والتي لا ريب أنها تؤثر علينا وفينا.